سهام القحطاني
«لا أؤمن بزعامة تٌقام علي أساس من الرعب, بل بزعامة تعرف مواطن الخطر و تقترح الحل» -تسيبي ليفني-
المتتبع للسيرة التاريخية للتجارب النسائية سيجد الكثير من الظلم و الإجحاف الذي تعرض له العقل السياسي للمرأة،فغالبا ما تتعرض تلك التجارب السياسية لتقييم و تقويم قاسيين،قسوة لا تتعلق بنوع المنتَج و قيمته و أثره،إنما بصاحب المنتج ومصدّره،فأخطاء تلك التجارب تعادل الضعف لو قيست بالتجربة السياسية الرجالية و التي أخطاؤها مبررة دوما،تبريرات تنقذها من نفق الفساد والفشل، بينما يٌقصد رفع غطاء التبرير عن إخفاق التجربة السياسية للمرأة؛ لتعميد منطق أن الفشل حاصل معاكسة الطبيعة و ليس حاصل الظروف وأحوال تضارب السياسة و مصالحها. إضافة إلى قصدية إزالة أثر قدرة العقل السياسي والنضالي للمرأة في تغيير التاريخ من خلال إحاطة حقيقة هذه القدرة بتشويه يبرز بقصد نقصها و يخفي بقصد قيمتها و تأثيرها في صناعة التاريخ و تغييره.
ولاشك أن لهذه الاستراتيجية الظالمة أسبابها والتي تقوم على محورين هما: الإرث الفكري و الإرث التاريخي المعاديين للمرأة. أُسس الإرث الفكري المعادي للمرأة، على يدّ رواد الفلسفة،فسقراط رأى «أن المرأة هي الشر» وعلى مبدئه الفلسفي صاغت الكثير من الرؤى الفكرية المعادية للمرأة التي تربطها بالشر و الهلاك و الخراب و الشيطنة، وهي رؤى تٌبطل أي تصور جمعي محتمل عن صلاحية العقل السياسي للمرأة وتقدير الاستفادة منه. وليس صحيحاً أن الرؤية الدونية المتعمدة ضد المرأة قد تتلاش بتطور العصر والعقل الحضاري للرجل و للمجتمع، فالموقف الفكري نحو المرأة مازال كما هو منذ أفلاطون و حتى « ترامب» الذي اتهم هيلاري كلنتون بالفشل و الشر وكل الخراب و الإرهاب الذي حدث في الشرق الأوسط، في حين أن هذا الأمر هو سياسة دولة وليس سياسة امرأة.
إن منطق ترامب يخرج من كونه خاصا مرتبطا بحالة إلى كونه منطقا عاما يرتبط بعقيدة مؤمنة بأن عقل المرأة جالب للشر والفشل والحرب، إنه ذات منطق سقراط فقد تتغير العبارات لكن حقيقة المضمون تظل ثابتة. وانطلاقا من الترسيخ الفلسفي المعادي للمرأة يعتمد الرجل في إبراز النموذج الإغوائي لها ليبقى متصدرا الذهنية الجمعية كنموذج للطبيعة،مقابل التعتيم المتعمد على النموذج الإصلاحي في سيرة تاريخ العقل السياسي للمرأة،وإذا ما تفلتت شريحة من قيد ذلك التعتيم تعرضت للتشويه الذي يحمل في هامشه تحذيرا للوعي الجمعي من أضراره لنعود من جديد إلى التكرار الضاغط على التصور العام بطبيعة أصل النموذج.
ولذلك ستظل مارجريت تاتشر وأنجيلا ميركل و أنديرا غاندي و جولد مائير و كوندو ليزا رايس و مادلين أولبريت و تسيبي ليفني وهيلاري كلنتون مجرد نساء يدخلن في باب الاستثناء،والاستثناء غالبا للمرأة مذمومه أكثر من محموده.
أما المحور الثاني الإرث التاريخي، لايمكن أن يكون التاريخ مقياسا «للصحة» ولا «للتشريع» صحيح أن التاريخ نستخلص منه وثيقة»خصائص المجتمع» لكنه رغم هذه القيمة ليس ممثلا لأصل الطبيعة أو عاكسا لمصدرها.
كما أن أحادية الفكر الذي يوثّق التاريخ و يكتبه يخرجه من كلية التصديق والمصادقة، فالتاريخ يُكتب بيد الغالب و المنتصر الرجل لا المغلوب و المهزوم،والمرأة هي الممثل للحلقة السلبية في صناعة التاريخ ولذا فتجربتها السياسية غالبا ما تُحرّف سيرتها بافتراءات ظالمة و أضعف الإيمان يتم تُغييبها بفعل فاعل،إضافة إلى أن التشكيك في رشادة العقل السياسي للمرأة يسهل تتبع نقاط ضعف تجربتها السياسية دون محاكمة قصدية السبق والإصرار و الترصد لاغتيال عقلها السياسي.