كنت أسير في وسط مدينة إكستر حيث كنت أدرس عام 1975،وكان اليوم سبتا وفي نيتي التسوق السريع والبسيط حسب مقاس طالب مبتعث مثلي، وقد كان ذهني مثقلا ومعبأ بهموم بحثي للدكتوراه وأسئلة البحث، وكان جسدي وحده يسير بين الدكاكين بينما غرق ذهني في مسارات أخر، ولهذا أوقعت بي تلك السيدة دون تفكر مني، كنت أسير وكأنما اصطدمت بها وسط الرصيف ورمتني بسؤال: هل ترانا نعيش في زمن صعب.....؟؟، وناب عني لساني بأن قال نعم قبل أن يستأذن ذهني،وهنا شرعت السيدة تحكي وتحكي وتحكي وتتنقل من قضية فلسفية إلى أخرى بأسئلة وجودية وافتراضات جدلية وأخذني الحديث معها وظللنا واقفين على الرصيف وطال الكلام وطالت الوقفة حتى بدأت أشعر بألم الوقوف يؤثر على عضلات جسمي ولكن النقاش كان حاميا فعلا لدرجة أني نسيت نفسي ونسيت غرضي من الحضور للسوق، وبعد طول نقاش تبين لي أن السيدة تمثل فرقة دينية تحاول أن تبشر بأفكارها، وحينها أظهرت لها شكري على المناقشة وانصرفت لهدفي بينما هي ظلت تطرح سؤالها: هل ترانا نعيش في زمن صعب والناس من حولها يمرون ويشيحون بنظرهم عنها.
مرت أيام وأيام حتى جاءت ليلة باردة ممطرة وكنت للتو قد وصلت لشقتي من بعد عناء يوم كامل في المكتبة تخرقت فيه عيوني بين الكتب والأوراق، وزادها رهق السير تحت المطر والبرد، وما إن خلعت ملابسي المترطبة وهممت بالجلوس على الكرسي لأستراد أنفاسي وتشغيل المدفأة حتى ضرب جرس الشقة، مما فاجأني وتوهمت أن أمرا عاجلا لزميل ما قاده لبيتي في هذه الظلمة الماطرة الباردة فنزلت الدرج مسرعا عبر ثلاثة أدوار سرتها كالصاعقة بظني أني في نجدة عاجلة لزميل لديه طارئ ما، وحين فتحت باب السكن إذا بي أرى جسدا مكللا بعتمة الليل والمطر والمظلة تغطي معظمه، ولكن صوتا نسويا خرج من خلال عتمة المكان ليقول: هل ترانا نعيش في زمن صعب...؟؟
أغلقت الباب فورا وكنت أسمع لساني يقول:
لا لا... لسنا في زمن صعب.