لابد من الانشقاق عن أيدلوجية الواقع المترافق بزحام ضوضائي ليس مألوفا لي عادة.
أنا هكذا حين أمارس الكتابة لا أطيق الاختراق الصوتي لغير المعاني .. ألا تكفي الطاقة النابضة للكلمات في عزلي عن أية صوت هكذا أتوقع الفرق بين عالمين لمكان واحد هو الكتابة بكل إيقاعاتها الملتبسة وحبيسة ذات المعنى ومعنى الذات.
الانهمار الوحيد الذي يتأجل معه نزوحك الذاتي عن ما يكدرك من ضوضاء لا مقبولة أن تزج بك في مهب الموسيقى وتزدهي بضجيجك الداخلي. لا تمكن من نقلك إلى زحامك الشخصي بفكرتك سوى تلك الهيمنة التي تمتلكها الموسيقى بكل طاقاتها حيث ترتقي بك إلى عالمها المهيمن على حواسك فلا تشعر بشيء سواها.
لو أن لي يد عازف لأحطت كل ضوضاء بهدوء سحري يجعلها تتخلى عن فراغها القاتل إلى سكينة صاخبة تصنعها الموسيقى بكل تجلياتها التي لا يستطيعها سواها.
خصت الموسيقى عن البقية الباقية في هذا الكوكب البشري المادي بروحانية تعيد الإنسان إلى وسطيته إلى أخلاقياته التي لا تمنحها المادية له مطلقا مهما اتحد بصورة كوكبه وتكور فيه قدر توازنه.
إنها كاريزما الشيء واللاشيء إنها الموسيقى التي تصعد بالروح إلى روحها وتخلصها من جسديتها الشكلية السطحية لتنجو بذاتها وبشاعريتها.
كلما تبتلت في وبها همت تنبت في أعماقي ألف شجرة وانهمرت ضفاف وأنهر. تلك هي الأنثى العذبة المسماة: موسيقى
لا تتفقهوا في تأويل العذاب بما تورثه الموسيقى من تجليات عاطفية وجدانية لا شعورية فقد وهبها الله ما لم توهبوا إياه أيها المولعون بفتوى التحريم. فالعذاب هو ما تحاولونه من قتل لعذوبة الأحاسيس التي لها ملكات تصقل بالوعي وليس بإنكاره.
هل يجرؤ أحد على الشك في ما للموسيقى من تأثير ؟!. إذن فلينتبه إلى شغف طفل بصوت أمه ..وهي ترجز ..إنها موسيقى الطبيعة، فطرة الموسيقى الكونية التي نبتت منها الأجنة التي لم تفقه بعد كيف تشكلت ذرية من مجرد ذرة.
- هدى الدغفق