أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: تَكلَّمَ (برنارد لويس) عن تاريخ الإسلام والمسلمين بكلمةٍ موجزةٍ ؛ ولكنها داحِضَةٌ قُوَى الشَّرِّ العالمي ؛ فقال في ص30 من كتاب (برنارد لويس) لعادِل الجوجري: ((لم يكونوا على مرِّ عصورهم مُصدِّرين للقهر والاستبداد في العصور الأوربية الوسطى.. كانت الكنيسةُ أعلى سلطةٍ آنذاك: تنفي، وتحرق، وتعذِّب، وتفتش في الضمائر.. كان المسيحيون واليهودُ المضطهدون: يهربون إلى الشرق المسلم؛ طلباً للحرية والأمان.. اليوم يحصل العكس؛ فالهاربون من البطش والظلم هم الشرقيون.. الوضعُ الآن انقلبَ، والمسيحيون صاغوا مفهوم الفصل بين الدينيِّ والزمني بينما المسلمون لا يعرفون أصلاً هذا المفهوم؛ وهذا هو مشكلتهم مع الغرب [بالغين المعجمة] مهاجرين كانوا أم مقيمين)).. ونقطةُ قوة المسلمين عند لويس هي وعيُهُم الشديدُ بهُوِيتهم: يعرفون هم ماذا يريدون؛ وهذه صفة إيجابية يبدو أنَّ العديد من الغربيين أضاعوها؛ وهي نقطة ضعفهم)).
قال أبو عبدالرحمن: يَعْني هذا اللعينُ بالفرقِ بين الدِّينيِّ والزَّمَنِيِّ: أنَّ النَّصارى يُلْغون أحكامَ الدين وأخبارَه إذا تَغَيَّرَتْ الظُّروفُ؛ وذلك هو الزَّمَني؛ وقد كذبَ وأفِكَ؛ فليستْ هذه جِبِلَّةَ النصارى؛ بل هم حريصون على تطبيق دينهم؛ بل هم جادُّون في الدَّعوةِ إليه؛ وإنما جاء الخللُ من ثلاثِ جهاتٍ: أَوَّلُها: أنَّهم كانوا أَمِينينَ مع دينهم المأثور لديهم من الأناجيل، ولم يجتهدوا في تحقيق ثبوت النَّص الإنجيلي ودلالته من نُسَخِهِ الخطِّية باللغة التي نزل بها، وبلغات أُخرى كالسُّرْيانيةِ والأحْرُفِ اللاتِينيَّةِ.. وثانيها: أنَّهم أَفاءَ اللَّهُ بهم إلى الرُّشْدِ نَسُوا تحذيرَ الله إياهم من الركونِ إلى اليهود الذين حاولوا قتل المسيح عيسى، وافْتَرَوا على مريم عليهما صلواتُ اللَّهِ وسلامهُ وبركاته أَشْنَعَ القبائح؛ بل جعلوا كُتَبَ يهود؛ وهي أسفار العهد القديم التي أفسدوها تخريفاً وتأويلاً وإسقاطاً وزيادةَ أكاذيب.. جعلوها هي الأَصلَ، وجعلوا الإنجيل تابعاً لها يُؤَوَّلُ النَّص الإنجيليُّ أو يُعَطَّلُ من أجْلِها؛ ولا أعْلَمُ أنَّهم تَبَّرؤُوا إلا من (سفر أيوب) عليه السلامُ الإلحادِيِّ، وما تَبِعَه من تفسيراتٍ له في العهد القديم.. آمنوا بتأويلِ سِفْر حِزقيال إلى معنى أُكذوبةِ ( هرمجدون) التي افتراها اليهود؛ وبهذا كانوا أولياءَ لهم.. وثالِثُها: اختراقُ اليهود عقولَهم ومشاعِرَهم؛ فتَغيَّرتِ جِبِلَّتَهم، ناذرين أَنْفَسَهم لخدمتِهم، وتحوَّلَتْ مَشاعِرُهم الرحيمةُ إلى قساوةِ القلوب، والظُّلمِ الفادح، والإفسادِ في الأرض، واستباحةِ أقبحِ شيءٍ وأشنعِهِ مِمَّا حرَّمَه الله سبحانه في كل الأديان كالجنس الثالث.
قال أبو عبدالرحمن: المسلمونَ اليومَ وفي طليعتهم العربُ: يتحمَّلُونَ المسؤوليةَ أمام الله فيما أصابهم وأصابَ بلدانهم من كوارث في أشياء كثيرة من التفريط في حق الله، واستباحَةِ ما حَرَّمَه الله، وتركِ ما أوجبه اللَّهُ؛ ولقد سئمتُ من تكرار الحديث عن ذلك كالرُّكُون إلى أعدائهم، والاحتماءِ بهم في كشفِ ما أصابَهم وهم يعلمون أنَّ عدوَّهم هو الذي طَوَّقهم بتلك الكوارث، وحسبي الآن أنْ أدْعُوَ إخواني إلى قراءةِ كتابٍ من ألفِه إلى يائه؛ وذلك هو كتابُ (نصيحةُ أهل الإسلام/ تحليلٌ إسلامي علميٌّ لعوامل سقوط الدولة الإسلامية وعوامِل نهوضها) للشيخ محمد بن جعفر الكتاني؛ وهُما أُسْرَةُ علمٍ وفضل؛ فإنَّ فيه عبرةً أيَّ عبرةٍ.. وأما الدينيُّ والزمنيُّ عند المسلمين، وتعطيلُ الدينيِّ عند يهود فله حديث يأتي، وإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.