د. خيرية السقاف
الفجوة كبيرة بين منتج التعليم في المدارس الرسمية, وبينه في مدارس التعليم الأهلي,
الفارق كبير وإن كان يتفاوت بتفاوت الأداء والتنفيذ ومستوى خصائص المعلمين/ات في كليهما..
وبينما الدولة تنفق غالياً ودائماً للتعليم الرسمي بمؤسساته المختلفة, بينما تقتطع المدارس الأهلية من حر دخل الأفراد, وتستنزفهم بأسعارها, الأمر الذي يجعلها في مساءلة ويضعها في منافسة من أجل أن تحقق فكرة استثمار الوالدين أموالهم في أبنائهم, فإنّ واقع منتج التعليم الرسمي لا يشير إلى أنّ استثمار المال الرسمي موضع منافسة ليوازي ما تحققه المدارس الأهلية من نوعية في التعليم تتميّز بالفروق التحصيلية التي يحصدها الدارس فيها فكراً ومعرفة وخبرات ومهارات ولغات وتوجهات علمية .. مع أنّ هناك مدارس أهلية ينبغي الالتفات إليها وإن أدى الأمر إلى إغلاقها أو عقوبتها لوجب, حيث يتكل فيها الدارسون وتحديداُ في مراحل الثانوية على الملخصات والأسئلة والإجابات الجاهزة قبل الاختبارات النهائية، ولو بحث المسؤولون وراقبوا بدقة وحزم لما غفلوا عنها أبداً..
ولأنّ جميع الناس بكل طبقاتهم الاجتماعية, وفروق دخلهم الشهري, وتفاوت قدراتهم المالية يرغبون في أن يتلقى أبناؤهم نوعية جادة وطموحة ومواكبة لاحتياجات مواهبهم ومقدراتهم ومستقبلهم وطموحاتهم، لا تختلف عن تلك التي تقدمها المدارس الخاصة ذات الأسعار عالية السقف التي لا يتمكن منها سوى الأثرياء جداً أو المعتمدين على الاقتراض, والتضامن المادي بين الوالدين , ومنهم من يتكبد الفاقة, والشح في سبيل أبنائه إنْ قلّ عددهم واستطاع أن يتكبد لأجلهم, وإلاّ فإنّ من يكثر عدد أبنائه سوف لن يستطيع مواجهة أي نوع من الحلول ليلحقهم بالتعليم الأهلي المميّز إذ سيعجز تماماً عن مواجهة الرغبة مع المتاح ..
فلماذا لا تقدم مؤسسة التعليم الرسمي لهم في جميع مدارسها هذه النوعية من التعليم، لتوازي جميع مدارسها المدارس الأهلية المشهورة بالتميُّز؟!
لذا , من أجل ردم الهوّة بين التعليم الرسمي, والأهلي المميّز، على وزارة التعليم أن تنهض بالتعليم في مؤسساتها في جميع المراحل , وذلك بردم الفجوة بينهما والاستفادة من خبرات التعليم الأهلي بتماثل النوعية, والكيفية, والأداء, ويتحقق ذلك بضخ ميزانية التعليم في مساراتها التي تفضي إلى نتائج استثمار لا تختلف عن نتائج التعليم الأهلي الجاد المتمكن الذي تنتشر مدارسه في المجتمع, ويتجه لاختياره الراغبون المقتدرون مادياً فقط, ويقف في حسرته الراغب غير المقتدر مادياً؟!..
إنّ تعريف التعليم بين البشر ليس وقفاً على مقولة قائل, أو بيت شاعر, بل هو خلاصة حقيقة ثابتة بأنه أهم عناصر نهضة المجتمعات, والفاعل في عصب نجاحها وتقدمها , فهو ليس بيت العز فقط, وإنما نهر إرث النور على الأرض.
ولأنّ الشعوب المتقدمة تولي التعليم الأهمية القصوى, وتعنى من أجله بالتخطيط الدقيق الشامل, وتضع له المضامين المواكبة لأهدافه المقننة التي تتسع بتوسع الطموحات, والاحتياجات الفردية والمجتمعية, في إثر التطور المستمر, والمواكبة الحيوية للمستجدات من حولها, وتهيئ له أعضاء متمكنين ذوي اختصاص, وخبرات, وخصائص ذاتية, ومهنية وفق قياسات , وشروط مقنّنة ملزمة , بدليل لهاثنا نحو تسفير أبنائنا لتلقيه فيها بعد أن يحصدوا الثانويات على علاّت حصادهم العام, وما قدمته مدارسهم ليواجهوا به العثرات هناك, وليجدوا أنهم بحاجة لأن يبذلوا فائق الجهد لمتطلّبات الموقف جراء تواضع خبراتهم في مواجهة ما ينبغي لرتق الفجوات بين ما تلقّوه, وما هو هناك,
وإننا أولى بأن نتولى التعليم الرسمي بالعزم الجاد, فنعيد صياغة أبجديات مؤسسته لاكتشاف ما يمكن أن يعالج, وإضافة ما هو ناقص, والأخذ بما لدى الخبرات الجليلة الموجودة داخل مؤسساته المترامية, مع الاستفادة من التجربة الموازية ذات المواصفات المميزة منهجاً, ووسيلة وإشرافاً, ومحصلة, وخبرات, وسبلاً, وتدريساً, وأنشطة, وتدريباً, لا تغفل موهبة, ولا تتجاوز قدرة, ولا تهمل عقلاً, ولا تجفو وجداناً, تعنى بالعلوم, واللغات, والتقنية, والثقافة, وتعد فيها الأفهام, وتمكن لها المهارات, بتعليم نوعي لا يقدم فيه نزر يسير من التغذية, ولا يأتيه التراخي, والوهن بين يديه, ولا من خلفه.
وحين يتماثل القطاعان في الأداء والنتائج تكون رحمة بالسواد الأعظم ممن لا تستوعبه مدارس التعليم الخاص المميّزة , من جانب, ولا يقوى على نفقاتها من جانب آخر, ويتلقى الجميع تعليماً على مستوى فاعل مؤثر, ومنتج ومستثمر في الأفراد, كل الأفراد لمستقبل يزهو!!..