م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. كانت احتفالية (اللطمية) التي أداها منتخب العراق بعد تسجيلهم هدفاً أمام المنتخب السعودي في تصفيات بطولة آسيا للشباب الأسبوع الماضي تدل على سطوة التاريخ حينما يتحوّل إلى عقيدة.. كما تدل على سلطة الطائفية حينما تتحوّل إلى دين.. فما الذي حوّل هؤلاء الشبان اليافعين إلى أنموذج طائفي مسيس يغلي ثورة بسبب ما يُقال (والله أعلم) عن حدث وقع قبل ألف وأربعمائة عام؟
2. التاريخ المزيّف إحدى وسائل خداع الذات والكذب على النفس.. تدور الكذبة التاريخية بين العامة حتى تصبح في خيالهم حقيقة يقينية التكذيب بها يُخْرج من الملة أو الوطنية.. ناهيك عن أنها مريحة مخدرة تنسي الفرد واقعه.. فلا يحتاج المحْبَطُون إلى كبير عناء للوقوع في حبائلها.. ولا يحتاج المواطن العربي اليوم والعراقي تحديداً إلى كثير إقناع.. فهو مُحْبَط تعيش بلاده حرباً أهلية وتعاني من التناحر الطائفي والانقسام العِرْقي والتدهور الاقتصادي والفقر المجتمعي والتفكك الأسري بسبب التهجير القسري.. وتدير أمن بلاده مليشيات بعضها يأتمر بأوامر خارجية.. وأجزاء من أرض وطنه محتل من دول ومنظمات متعددة.. وحكومتها تدار من طائفيين ولصوص.. واليوم تعد العراق دولة فاشلة.
3. المؤرِّخ الطائفي يستخدم الكذب سلاحاً لإلحاق الأذى بالآخرين.. لذلك فهو في تدوينه وروايته للأحداث يضخم الأمور.. ويلوي أعناق الحقائق.. وينكش الجراح ويجعلها تنزف حتى يُدْمي القلوب.. ويستدعي الذكريات الخاطئة حتى يشحن النفوس بالبغضاء.. فيدخل الناس في حالات بين شعور زائف بالعظمة أو عقدة متوهمة بالاضطهاد.
4. المؤرِّخ الطائفي يحقق حالة من الاصطفاف.. لكنه يولِّد حالات من التوجس والقلق والريبة بالآخر.. تضع المصطف في حالة دفاع واتهام ومقاومة ومناوأة للآخر.. فكل مصطف طائفي يُصاب بالعمى عن الحقيقة ويحيد عن العدل ويتحول إلى فرد يسير مع الجموع لا يملك من أمره شيئاً.
5. إذا قرأنا التاريخ الذي دوَّنته كل طائفة عن الأخرى في ذات المجتمع.. لوجدنا أن الصفات العامة التي يصف بها كل طرف الطرف الآخر هي: الكذب والخيانة والغدر والفساد والهرطقة والكفر.. ولو صدّقنا كل وصف نعتوا به بعضهم لصار لزاماً أن يكون هذا المجتمع بكل طوائفه وجموعه وأفراده كذابين خونة غدارين فاسدين كفرة.. فهل هناك مجتمع واحد بكل هذه الصفات الفاسدة؟!.. أم أن كل مؤرِّخ من هؤلاء ما هو إلا كذّاب أشر؟. وللحديث بقية.