د. محمد عبدالله العوين
أقف بكل ألم عند هؤلاء الشباب الأربعة الذين قبض عليهم رجال الأمن الأبطال في شقراء بعد طول تحر وتدقيق ومتابعة لتحركاتهم واتصالاتهم وإحاطة تامة بمرجعيتهم ومصادر تلقيهم والمهام الموكلة إليهم من تنظيم «داعش» فأجد حيرة كبيرة في تفسير سهولة استقطابهم إلى الإيمان بأفكار تنظيم لا يعلمون عن حقيقته إلا الشعارات البراقة التي يطلقها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولا يدركون المرجعية الأيدلوجية ولا الدول ولا الجهات الاستخباراتية التي تتبنى التنظيم وترعاه وتوجهه لخدمة أغراضها.
وبتأمل متأن في اتجاه هؤلاء الشباب وأسلوب تفكيرهم نجدهم تجمعهم سن متقاربة واهتمامات دراسية تكاد تكون متشابهة وظروف اجتماعية وأسرية لا تختلف كثيرا وبيئة ثقافية وفكرية واحدة حاضنة هيأت هذه العوامل جميعها عقولهم لتقبل خطابات تنظيم « داعش « الحماسية المثيرة لعواطفهم المتوقدة المتأججة المتأثرة بما يحدث للأمة في هذه المرحلة من الزمن من مآس ونكسات وآلام؛ وبدخول لمرة أو مرتين أو ثلاث إلى مواقع التنظيم الإرهابي يجدون من الكلام المعسول والخادع ما يشبع عواطفهم وما يرضي نفوسهم دون أن يطرأ عليهم تساؤل البتة عن أهداف التنظيم أو غاياته ومنطلقاته وما يتكئ عليه من أحكام دينية تفتقد الحجة والدليل.
لقد أسلم هؤلاء الشباب رقابهم وانقادت عقولهم تحت تخدير الشعارات والشحن النفسي والعاطفي إلى أناس غرباء مجاهيل يتحدثون بألقاب وكنى يتخفون بها ويخاطبون من خلالها هؤلاء الشباب وأمثالهم وهم خلو من ثقافة دينية عميقة ووعي بأحكام الجهاد والتكفير فيقعون في شباكهم ويأتمرون بأوامرهم وينفذون ما يطلبه منهم سدنة التنظيم بوعي أو بدون وعي!
ولنا أن نعجب ما شاء لنا العجب من انقياد شاب يناهز المراهقة بقليل لأوامر إنسان غريب بعيد لا يعرفه ولم يلتق به ولو لمرة واحدة أو حتى يرى ملامح وجهه؛ فيستجيب بطواعية وبلا تفكير أو تردد لأوامره ويمارس القتل أو الاغتيال أو التفجير حسب المطلوب منه؟!
أهي لوثة عقلية تعتري من يقع في شباك الجماعات المتطرفة؟ أم هو غباء وفقد حصافة وقلة نباهة ونقص وعي وضعف شخصية؟!
أم هو تأثير التخدير النفسي ممن يملك القدرة على التأثير؛ فيتحول الشاب المتلقي لموجات التأثير النفسية والفكرية المتتالية بكثافة إلى عجينة لينة طيعة يكيفها المؤثر القادركما يشاء، كما هو حال المريض النفسي الذي يرتمي بضعف واستسلام ونشيج حزين أمام الطبيب النفسي الماهر الذي يحسن الاستماع والإنصات ويستقبل شحنات التفريغ المؤلمة ثم يبدأ في توجيه المريض الوجهة التي يريده أن يذهب إليها فلا يجد منه أدنى ممانعة أو مقاومة؛ ذلك لأن الشاكي عادة أمام مستقبل الشكوى المتخصص يكون في أضعف حالاته وأكثرها ألما ومأساوية.
ولا ننسى في ختام هذه القراءة السريعة أن ثمة تأثيراً بالغاً من مصادر تلق فكرية وثقافية مختلفة محفزة هيأتهم لاستقبال رسائل تكفيرية قاتلة من التنظيم الإرهابي.