عروبة المنيف
لا تبكي مثل الحريم، ترى الرجال ما يبكون، خلك رجال ولا تكون رهيف مثل البنات، خلك قوي وجامد ولا تصير حرمة، خلك ولد أبوك ولا تكون ولد أمك!.
كل التعابير السابقة نستخدمها لبرمجة أولادنا الذكور منذ نعومة أظفارهم على صفات الرجولة التي رسمناها لهم، فنصنع لهم قناعاً للرجولة يروق لنا ليصبحوا رجالاً يتمتعون بالصلابة والقوة والخشونة والعنف ولديهم القدرة على التحكم بمشاعرهم وعلى كبتها، فالرجل لا يتألم ولا يبكي ولا يستخدم المشاعر المرهفة كمشاعر الحب مثلاً مع أقرانه، ومن يفعل ذلك يتهم بالأنوثة ما ساهم في انتشار «ظاهرة التنمر» في المدارس، فالتعبير عن المشاعرالرهيفة والجميلة بين الأقران هو سلوك أنثوي لا يمت للرجولة بصلة فالرجولة لدينا هي رفض كل ما هو أنثوي فلا بأس أن يعبر الابن عن مشاعر الحزن والغضب مثلاً وما يتبعها من سلوك عنيف، ولكن أن يبدي مشاعر الألم على سبيل المثال فهذا عيب وهو من شيم البنات. إننا ننتقي المشاعر المناسبة لأبنائنا التي تدخلهم في قوالب الرجولة ونرفض المشاعر غير المناسبة لهم، فهناك مشاعر يسمح لهم أن يظهروها وهناك ما لا يسمح لهم بإظهارها حتى تتناسب تلك المشاعر مع صناديق جهزت لهم لتخزينها في أنظمتهم وبمهارة.
إننا نعلم أبناءنا الذكور بوعي أو بدون وعي بفوقيتهم وبسلطتهم على النساء من خلال تلك الأقنعة الرجولية التي ألبسناهم إياها، وتؤكد الإحصائيات أن كل ست ثوان تضرب امرأة أو تهان من قبل الرجل، بالإضافة إلى أن تلك الأقنعة ساهمت في «قصف عمر» الرجل قبل أوانه، ويعتبر الرجال أكثر عرضة للأزمات القلبية من النساء، فكبت المشاعر سواء الجميلة أو غير الجميلة الناتجة عن لبس قناع الرجولة يحولها إلى محابس ضغط تنفجر مسببة أمراضاً نفسية وجسدية خطيرة. إن الخوف من التعبير عن المشاعر وكبتها يؤدي بالإنسان إلى الوحدانية والعزلة، لذا يلجأ الشباب إلى الكحول والمخدرات مقارنة بالفتيات حتى يستطيعوا تحت تأثير المسكر أن يعبروا عن مشاعرهم بدون قيود مجتمعية، ولقد أثبتت الدراسات أن 34% من الأولاد يتعاطون الشراب والمخدرات وهم في سن الثانية عشرة.
لنرأف بأبنائنا الذكور ولنعلمهم أن الرجولة محبة ورحمة وعطف وتسامح واحترام للآخر سواء كانوا أقراناً أو قرينات، لنعطيهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم وعن عواطفهم ليصبحوا أكثر إحساساً بالآخر وأقل عنفاً وأكثر إنسانية. لقد أعجبتني دعاية هندية انتشرت على الميديا تشير إلى هوس الوالدين بتعليم الطفل الذكر منذ ولادته بأن لا يبكي كالبنات، ولكن عندما كبر أحدهم قام بضرب زوجته وجعلها تبكي، فكان الرد بنهاية تلك الدعاية جميلاً، إذ تقول، لقد علمنا أولادنا طوال حياتهم أن الرجل لا يبكي وقد حان الوقت لتعليمهم أن الرجل الحقيقي لا يجعل امرأة تبكي.