د. محمد بن يحيى الفال
لم يكن يخطر على بال أكثرنا بأن يصل الحقد والغباء السياسي بقادة الحوثيين أن يتجرؤوا ويوجهوا نيران صواريخهم الإجرامية إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وتعجبنا الذي لم يتبدد وجد له على الأقل تفسيراً، فالجريمة التي نفذتها عصابة الحوثي لمحاولة قصفها الدنيئة لقبلة المسلمين تزامن مع تجمع للاحتفال في دولة الملالي بذكرى وفاة الإمبراطور الفارسي قورش، أول ملوك فارس ومؤسس السلالة الأخمنية الفارسية والتي كانت مُغرمة بالتوسع والتمدد.
وتزداد الأمور غرابة وتأكيداً للعلاقة بين توقيت القصف وتوقيت الاحتفال إذا ما عرفنا بأن الاحتفال كان مقرراً له أن يقام يوم السبت 29 أكتوبر وتم تقديمه ليتزامن مع موعد قيام عصابة الحوثي الحقيرة بتنفيذ رغبة أسيادها في دولة نظام الملالي لقصف أقدس مقدسات المسلمين.
وكانت خطة الصفويين في طهران بأن يتم قصف بيت الله وجموع المسلمين تطوف فيه ليتزامن مع طوافهم بقبر إمبراطورهم قورش الذي انتهى حكم سلالته بانتصار المسلمين الساحق على آخر سلالته، الإمبراطور يزدجر الثالث في ملحمة القادسية.
ولمن يشكك فيما حدث عليه فقط الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت ليشاهد بأم عينيه مئات الآلاف من الصفويين الجدد وهم يطوفون بقبر مُلهمهم قورش ويرددون شعارات الكراهية والحقد والاحتقار للعرب، وبشعارات من قبيل « نحن آريون، لا نعبد ما يعبد العرب».
ليس غريباً على الصفويين الجدد الذين يفخرون بأصولهم الآرية كما هو حال نظرائهم النازيين الجدد بأن يحملوا الضغينة والكراهية للعرب الذين جاء الإسلام بسماحته لينهي عبادتهم لقورش لعبادة الله الواحد القهار، ولكن الغريب أن تصل الخسة والدناءة والحقارة بعصابة الحوثي أن ترضخ لإملاءات ملالي طهران ويرضوا بان يقوموا بدور أبرهة القرن الحادي والعشرين ويطلقوا صواريخهم باتجاه قبلة المسلمين.
جريمة استهداف مكة المكرمة بالصواريخ أسقطت ورقة التوت عن سوءة عصابة الحوثي وعرتهم تماماً أمام أتباعهم قبل المناوئين لهم. فلم يراعوا لا ذمة دين أو رابطة دم أو جيرة، وهي قيم لا مكان لها في قاموس تفكير العصابات كعصابة الحوثي، ولكن على أقل تقدير ومهما استعرت الحرب كان يجب أن يكون هناك رجل رشيد بينهم يشير للعصابة بأن تعرضها لبيت الله معناه انتهاء كل مزاعمها ومطالبها وفقدانها لشرعيتها أمام أتباعها ووصمة عار سوف ترافقها إلى ما لا نهاية.
وبكل ما حملته الجريمة النكراء التي ارتكبتها عصابة الحوثي من خسة ودناءة، واستنكرها المسلمون في كل بقاع المعمورة، فإنه من الأهمية بمكان أن لا يؤخذ غالبية اليمنيين بجريرة هذه الجريمة، فهم مغلوبٌ على أمرهم وبراء من أفعال أذناب باعوا بلادهم لأجل مصالحهم الشخصية، وكما هو حال الكثير من مواطني الدول الذين ابتلوا بتدخلات نظام دولة الملالي، وكما هو مُشاهد في كل دولة وجدوا لهم فيها موطئ قدم، ونرى ذلك جلياً وواضحاً في العراق، سوريا، لبنان واليمن.
ومع قول ذلك وببراءة غالبية أطياف المجتمع اليمني من جريمة الحوثي النكراء بمحاولة استهداف قبلة المسلمين، فإنه آن الأوان أن يتحد اليمنيون جميعاً وبكل مكوناتهم المذهبية والسياسية لمواجهة عصابة الحوثي واستئصالها من جذورها، وهي التي أساءت إساءة لا تغتفر لأهل اليمن المعروفين عبر تاريخهم بحبهم الشديد لدين الله والذود عنه بالغالي والنفيس وبانتمائهم لامتهم العربية.
وتعزز أهمية توحيد كل الفصائل والقبائل اليمنية في مواجهة عصابة الحوثي مع التسويف التي تواجهه كل المحاولات السلمية والدبلوماسية لإنهاء الصراع في اليمن، هو التسويف الذي ولسوء الحظ تقوده الأمم المتحدة من خلال مبعوثها لليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد.
ويتضح هذا التسويف في خطته الأخيرة للسلام والتي رفضها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، والتي تتضمن أن يتخلى الرئيس هادي عن سلطاته ويفوضها لنائبه، ليلتف ولد الشيخ على القرار الأممي رقم 2216 الذي أقر بغالبية أعضاء مجلس الأمن وامتناع روسيا عن التصويت ومر عليه أكثر من سنة ولم ينفذ أي بند منه، وهو القرار الذي يفرض على عصابة الحوثي تنفيذ خمسة بنود لإنهاء الصراع، وهي الكف عن اللجوء للعنف، سحب القوات العسكرية من المدن، التوقف عن التدخل في أعمال الحكومة الشرعية، الامتناع عن استفزاز وتهديد الدول المجاورة، الإفراج عن وزير الدفاع اليمني المأسور اللواء محمود الصبيحي وكافة الأسرى السياسيين، والكف عن استخدام الأطفال في الصراع.
والتجارب الماثلة أمام الشعب اليمني تؤكد له بأن الأمم المتحدة لن تعيد له حقوقه التي سرقتها واستباحتها عصابة الحوثي، وبأن مهمة إعادتها تقع على كاهله، خصوصاً أن جريمة استهداف مكة المكرمة جاءت كالقشة التي قصمت ظهر البعير، ولم تعد هناك بارقة أمل في إمكانية الوصول لحل سلمي مع عصابة الحوثي الإجرامية.
لم تأت جريمة محاولة قصف مكة المكرمة بجديد أو مفاجأة فيما يخص نوايا نظام دولة الملالي الخبيثة الحانقة على المسلمين ومقدساتهم، فالشواهد السابقة كثيرة التي أوضحت بجلاء خبثهم وحنقهم على المسلمين ومنها تفجيرهم لمشاعر المسلمين في الشهر الحرام في البلد الحرام وسفك دماء المسلمين الأبرياء إما بالتفجير أو بالدهس وبإشاعة الخوف والفوضى بإرهاب ضيوف بيت الله في العديد من مواسم الحج، لكن الجديد هنا هو أن تصل الخسة والدناءة بأذناب نظام الملالي من عصابة الحوثي بمحاولة استهداف قبلة المسلمين وهم يطوفون في ليلة الجمعة من شهر الله الحرام، في الوقت الذي كان الصفويون الجدد يطوفون بقبر قورش، وليعيد التاريخ نفسه، وهذه الآونة بأبرهة الجديد، عصابة الحوثي التي رهنت نفسها بخسة غير مسبوقة لنظام الملالي البعيد كل البعد عن الإسلام ويعرف القاصي والداني بأنه لم يقدم لأهل اليمن سوى القتل والدمار والفوضى.