د. محمد بن عبد الله ال زلفة
بدعوة كريمة من سمو الأمير عبد العزيز بن أحمد بن عبد العزيز رئيس منظمة الجواد العربي كان لي شرف المشاركة في معرض الفرس الذي أقيم في مدينة الجديدة بالمغرب تحت رعاية الملك محمد السادس وذلك في الفترة من 11 أكتوبر إلى 16 أكتوبر 2016م.
وكانت مشاركتي في المحور المخصص بالفرسان العرب بورقة بحث تحمل عنوان «الخيل في الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز واهتمامه بها ودورها في توحيد المملكة.
ولقد كنت سعيداً بالصدى الذي قوبلت به هذه الورقة أو المحاضرة من قبل حضور نخبوي من الأشقاء المغاربة وهم شعب محب للفروسية ولقصص الفرسان، وكان الحديث عن أشهر الفرسان وآخر فارس وملك عربي وحد بلاده على صهوات جياده العربية الأصيلة في مطلع القرن العشرين.
ولقد لاحظت عطش الإخوة المغاربة إلى معرفة المزيد عن تاريخ بلادنا ومعرفة اهتمام ابن الجزيرة العربية التي هي مهد الحصان العربي بالحصان العربي، ومن خلال هذه الورقة وما تلاها من نقاش علمي وحضاري من السادة الحضور لاحظت علامات الاندهاش ورغبة في مزيد المعرفة عن الملك عبد العزيز فارس وحد بلاده الواسعة مع فرسانه الأبطال على صهوات خيولهم ومعرفة اهتمام شعب المملكة بالخيول العربية الأصيلة وهذا يدعوني إلى توجيه دعوة صادقة إلى كل القطاعات والمؤسسات والأفراد إلى الاهتمام بالخيل العربية الأصيلة وعمق الرابط القوي والحب الفطري لإنسان الجزيرة العربية. لهذا المخلوق الجميل وذلك من خلال إشراك الخيول في مناسباتنا الوطنية مثل اليوم الوطني وفي كل أنحاء المملكة بل يجب علينا أن نجعل يوماً أو أياماً في السنة نحتفل فيها بخيولنا العربية.
وأن نبرز المشاهير من فرسان المملكة الذين لعبوا أدواراً عظيمة في توحيد المملكة. وأن نكثر من المناسبات التي تشارك فيها الخيول وأن ننشر ثقافة حب الخيل في نفوس أبنائنا وبناتنا.
ولقد عشت اسبوعاً في مهرجان الجديدة متنقلاً من حلبة إلى حلبة من حلبات الخيل التي شاركت بشكل مذهل في عروض تخطف الانفاس. وشاهدت عروضا رائعة يقوم بها الفرسان المغاربة وخاصة تلك المعروفة «بالتوبريدة».
أتمنى أن تدعى تلك الفرق المدربة للقيام بعروض في أكثر من مكان في المملكة للاستفادة من تجارب الآخرين وخلق روح محبة الفرس والفارس.
وما أدهشني هو ذلك الحضور الشعبي المنقطع النظير لمهرجان الفرس في مدينة الجديدة حيث جاءوا من كل أنحاء المملكة المغربية لحضور هذا المهرجان. ومن اهتمام إخواننا في المغرب بالحصان أن أقاموا واحداً من أجمل مراكز أو معارض مهرجان الحصان على مستوى العالم تتوفر فيه كل الإمكانات لعروض الخيل.
ولا يفوتني أن أكرر شكري لسمو الأمير عبد العزيز بن أحمد بن عبد العزيز على دعوتي للمشاركة واهتمامه المنقطع النظير بالخيول العربية وغير العربية ذات الشهرة العالمية.
وفي الختام أقدم لقراء جريدة الجزيرة الغراء ملخصا لمحاضرتي في هذا المهرجان.
ملخص البحث
احتلت الخيل مكانة مرموقة في الجزيرة العربية وكيف لا تكون لها هذه المكانة وهي أي الجزيرة العربية المهد الأول للخيل كما أثبتت الاكتشافات الأثرية الأخيرة في المملكة التي أثبتت وبشكل قاطع بأن الخيل موطنها الأول هي الجزيرة العربية وفيها تم استئناسها لأول مرة في تاريخ العالم ويعود ذلك إلى حوالي أكثر من 9 آلاف عام.
ويأتي هذا الاكتشاف ليلغي الاعتقاد السائد لدى علماء الآثار بأن أول استئناس للخيل لأول مرة كان في أواسط آسيا «كازاخستان» منذ 5500 سنة انظر تفاصيل هذا الاكتشاف في الدراسة الأثرية التي قامت بها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية في شهر مارس2010م.
ويثبت هذا الاكتشاف ومن خلال المجسمات المكتشفة بتطابق تلك المجسمات مع مواصفات الخيل العربية التي تحظى بشهرة فائقة على مستوى العالم لمواصفاتها المتميزة.
وهذا الاكتشاف يثبت عمق حب الإنسان العربي بهذا الكائن الحي الجميل الذي ارتبط به منذ التكوين الأول وكأنه لم يُخلق إلا له فنجد رسوم الخيل منتشرة على الكثير من الصخور في الجزيرة العربية والتي تعود تلك الرسوم إلى آلاف السنين.
ثم نجد مكانة الخيل عالية في الشعر الجاهلي ويأتي القرآن الكريم في أكثر من موقع على ذكر الخيل، والخيل العربي كان القوة الضاربة التي ساهمت بفعالية كقوة للفارس العربي في نشر الدين الإسلامي إلى كل الأصقاع، إضافة إلى مكانة الخيل العربية فإن الإنسان العربي ابن صحراء الجزيرة العربية نال شهرة فائقة كفارس ماهر يحب الخيل والخيل تحبه.
اهتم الحكام من آل سعود منذ نشأة دولتهم الأولى في منتصف القرن السابع عشر بالخيل اهتماماً كبيراً وظل هذا الاهتمام قائماً إلى عهد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة الذي يُعد آخر القادة الكبار على مستوى العالم الموحدين لأوطانهم قام بتوحيد بلاده على صهوات جياده في مطلع القرن العشرين، ولذا لا نستغرب اهتمامه الفائق بالخيول العربية وأسس لها ديواناً كاملاً من أجل العناية والاهتمام بها وكانت خيوله من أجود الخيول العربية.
وكان إسطبل خيوله من أكبر الإصطبلات على مستوى الجزيرة العربية مثلما كان إصطبل جده الأعلى سعود الكبير توفي 1814 م. وإصطبل جده الإمام فيصل بن تركي توفي 1865م.
أسهم الخيل العربي إسهاماً كبيراً في توحيد المملكة العربية السعودية ويجب أن أشير إلى ضعف الاهتمام بالخيول العربية الذي مر بمرحلتين.
المرحلة الأولى:
تلك التي عقبت انهيار الدولة السعودية الثانية حيث قل الاعتناء بالخيل العربية وهو انعكاس لضعف الحالة السياسية وأضحت أعداد كبيرة منها سلعة تصدر إلى بلدان خارج الجزيرة العربية وخاصة الهند ومصر ومنها إلى بعض البلدان الأوروبية حيث فتن النبلاء هناك بالحصان العربي.
المرحلة الثانية:
بعد الانتهاء من حروب توحيد المملكة التي انتهت في عام 1932م وهو إعلان اكتمال وحدة المملكة ودخول السيارات كوسيلة حديثة للنقل والانتقال من مكان إلى آخر وانتفاء الحروب التي أدت إلى انتفاء الحاجة إلى الخيل وحلت محلها الآلات العسكرية الحديثة، وكانت هذه نقطة تحول لدى الناس في عدم الاهتمام بالخيل العربي على المستوى المجتمعي. وكذلك على المستوى الحكومي.
عاد الاهتمام بالخيول العربية مرة أخرى مع مطلع الستينيات الميلادية من القرن الماضي عندما أسس ناد للفروسية في الرياض باهتمام شخصي ومباشر من الملك عبد الله بن عبد العزيز- رحمه الله- حينما أصبح رئيساً للحرس الوطني.
والحرس الوطني يتكون من أبناء وأحفاد القوة الفاعلة لتأسيس المملكة وهم آخر مشاهير الفرسان العرب فعاد للخيل العربي مكانه من الاهتمام، وفي المملكة اليوم العديد من الإصطبلات الكبرى على مستوى الجزيرة العربية وتنافس أهم الإصطبلات على مستوى العالم.
أحاول أن أستوفي هذا الموضوع بشيء من التفصيل في هذه المناسبة التي أتشرف بالمشاركة فيها.