فوزية الجار الله
من هواياتي التي لم ولن أجد بديلاً مكافئاً لها حتى الآن هي جمع نفائس الكلمات التي تتضمنها قصاصات الصحف والمجلات، بدأت هذه العادة منذ فترة ما قبل الانترنت، بل هي في الحقيقة قبل ذلك بكثير، بدأت منذ طفولتي.
يوماً ما بدافع لا أعلمه تلفت حولي لأبحث عما هو أجمل وأنبل وأكثر قيمة من تلك التفاصيل اليومية التي نعيشها فوجدتها في كيان رائع جميل يدعى الكلمات تلك التي نصادفها قادمة عبر الأثير من جهاز المذياع على سبيل المثال أو تلك التي نصادفها إذا ما استغرقنا في القراءة والتأمل، ربما يكون للبيئة دور هام ومن ثم لبعض المعلمات التي تذكرتهن بشوق وامتنان حين مرت ذكرى يوم المعلم مؤخراً هذا العام، أذكر منهما معلمتين شقيقتين من سوريا المكلومة اليوم هما الأكثر تأثيراً، كلاهما مختصتان باللغة العربية لكنهما تقومان بتدريس معظم المواد لنا بحكم كوننا في المرحلة الابتدائية، إحداهما وتدعى «ميسون» وفي موعد حصة التعبير والإنشاء في الرابعة الابتدائية جاءتنا بقصة للأطفال يومها قالت سأقرؤها على مسامعكم وعليكم أن تركزوا معي، أريدكم بعد الإصغاء إليها أن تذهبوا وتحاولوا إعادة كتابتها في المنزل وسيكون هذا هو الواجب. في الحصة التالية جاءت جميع الطالبات بالقصة مكتوبة بكافة تفاصيلها بصورة أذهلت المعلمة ذاتها وكان ذلك مصدراً لسعادتنا ويوماً لا ينسى من أيام الطفولة الراسخة في الذاكرة.
أما المعلمة الجميلة الأخرى وهي شقيقة «ميسون» وتدعى «سلمى» فهي التي علمتنا في ذلك اليوم بأن من يملك مجلة العربي الشهرية الكويتية بين يديه هو كمن يملك كنزاً من الثقافة والمعرفة ففي كل عدد ستجدون حديثاً عن إحدى الدول العربية. تلك المعلمة كنت أحبها وأحترمها إلى أبعد مدى وقد أحتمل غضب الجميع مني -وهو ما لم يحدث- إلا هي، فلو تفوهت تجاهي بكلمة شبه قاسية لدمعت عيني، كنت شديدة الحساسية معها لفرط تقديري لها.
أذكر أنني قرأت موضوعاً عن تونس وكتبت عنها ملخصاً وجمعت الصور وألصقتها في دفتري وهكذا تكون عظمة المعلم وقدرته على تشكيل عقل وروح هذا الطفل وجعله أكثر إحساساً وولاء للعلم والمعرفة.
*****************
** (ولو نبّشت في سير الكتّاب لقرأت العجب العجاب في غرائب الطقوس وطريفها فتجد مثلاً من لا يأتيه الوحي إلا تحت «الدوش» وبعد تناوب الماء الحار والبارد بقسوة على جسده، وتلتقي بمن لا يكتب إلا ووجهه إلى الباب، ومن تستعصي عليه الكتابة إن لم يتأكد من وجود عشرات الأقلام في حوزته مخافة جفاف مفاجئ للحبر يقطع سيل الكلام من المخيلة، لكنك في النهاية تستنتج أن العزلة هي الطقس الذي يجمع هؤلاء جميعاً ومعها الخوف) قصاصة لمقال للكاتبة سوسن الأبطح نشر في صحيفة الشرق الأوسط في 17 فبراير 2004.