«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في مختلف دول العالم بات الإعلام على اختلاف أشكاله وأنواعه في مقدمة الأجهزة التي لها تأثيرها المباشر على المواطنين، بل إن بعض الحوادث عندما يتابعها الإعلام ويسلط الضوء عليها تُحدث تأثيرًا آنيًا، بل هناك من يسارع في تقديم استقالته أكان قياديًّا أو مسؤولاً أو حتى رجل اقتصاد عندما تتناوله وسائل الإعلام بالنقد أو السخرية أو حتى العتاب. وفي أمريكا - مثلاً - يأتي تأثير الإعلام في المقدمة على الرأي العام، يعقب ذلك التأثير الديني والأسرة والمدرسة. ويعزو العديد من الاختصاصيين الاجتماعيين، وفي العقود الأخيرة ومع انتشار (السوشل ميديا)، تضاعف تأثير الإعلام الحديث إلى تقنياته المختلفة التي استطاعت السيطرة على الإنسان في كل مكان؛ الأمر الذي جعله رهن إشارتها وما تبثه من مواد، أكانت إيجابية أو سلبية. بل هناك دراسات تشير إلى قلة الوعي في العديد من المجتمعات، ومنها المجتمع الغربي، لتراجع الوعي لدى جيلهم الصاعد؛ وذلك نتيجة طبيعية وحتمية لتأثير الإعلام التقني، بل راحت دراسات تؤكد أن هناك أمية جديدة باتت تسود هذه المجتمعات لفرط تعلقها بهذا الإعلام الجديد؛ فلا وقت لديهم للقراءة والاطلاع كما كان يفعل الآباء والأجداد. ورغم أن مئات الآلاف يتصفحون صحفهم ومواقعهم الإخبارية عبر هواتفهم الذكية وما فيها من تطبيقات إلا أنها لا تغني ولا تسمن من جوع كما هو الحال في حالة تصفحها ورقيًّا؛ لذلك نجد هناك من يسعى لشراء صحيفته الورقية على الرغم من وجودها في هاتفه الذكي.. صحيح هناك صحف تراجعت مبيعاتها وفي مختلف دول العالم، بل هناك صحف أعلنت إفلاسها، وراحت تبحث مثل التاجر المفلس في دفاترها القديمة باحثة عن آمال وطموحات تعيد لها حيويتها المفقودة.. ومع هذا هناك صحف ما زالت تسعى للتجديد والتنويع بين وقت وآخر؛ وبالتالي حافظت على الاهتمام بهاوي الإقبال عليها إلكترونيًّا وحتى ورقيًّا..؟! وقبل عقود أشار الإعلامي الشهير «ف.ماكميلان» إلى تراجع الثقافة المكتوبة وتفوق الإعلام الجديد، وكأنه يقرأ المستقبل الذي بات معاشًا كما نراه اليوم بصورة واضحة، وحتى فاضحة لمختلف المجالات والأحداث المختلفة. وفي الماضي كانت الصحف اليومية تتفوق على المجلات الأسبوعية أو الشهرية لسرعة نشرها للأخبار والتغطيات، وها هي اليوم تشرب من الكأس ذاتها؛ «فالسوشل ميديا» سحب البساط من الصحف اليومية، لولا تدارك هذه الصحف عبر تفعيل مواقعها الإلكترونيةصورة آنية ومتجددة على مدار الساعة؛ لتنقل مباشرة ما يحدث هنا وهناك؛ فطوفان الأخبار وموجاته التسونامية المستمرة جعلت مختلف الصحف في العالم في سباق نحو التجدد؛ فالصحف التي تريد التألق والازدهار أبعدت عنها لحاف النوم والاستكانة والاسترخاء، وباتت تطرد عنها التثاؤب الممجوج، عبر ما تقدمه للقراء والمتابعين من كل جديد ومفيد.
من هنا نجد أن الصحيفة الناجحة هي التي حافظت على توازنها، واستقطبت القدرات والكفاءات المتميزة؛ لتثري صفحاتها بالأفكار والمواضيع والتقارير وحتى الآراء الصريحة والواضحة والشفافة وحتى الطريفة، التي تخدم القارئ، وتجعله دائمًا على اتصال بها، ولتستمر العلاقة بينهما، بل إنها تتجدد مع إشراقة كل يوم.. فكيف بعد هذا لا يكون للإعلام دور فاعل في عملية توعية وثقافة المواطن في كل مكان؟.. والمتابع للإعلام المعاصر يؤمن بأنه يتوجه إلى جذبه والمحافظة عليه بصورة دائمة ومستمرة، بتقديمه كل الحقائق والمعلومات وخلفيات الأحداث. ولا شك أن هذا العمل هو أداة حضارية جيدة في زمن السرعة والسباق نحو الأسرع في تقديم ما يريده القارئ المواطن، هذا المواطن الذي بات في هذا العصر أكثر وعيًا ودراية بما يحدث من حوله، بل كشف له الإعلام الجديد زيف البعض وضحالة البعض الآخر. في زمن لا يصح فيه إلا الصحيح!