عبده الأسمري
لا أعلم ما سر المبالغة التي لم تتوقف وعكست ثقافة «السخرية « في المجتمع بشكل مبالغ فيه وكأن مئات الآلاف من الشعب لا همّ لهم سوى «حديث الوزير العرج عن ساعة الدوام وتعبير نائب الوزير التويجري عن الإفلاس. ووصل الأمر إلى أنه بات حديث الساعة ونسى العديد أن الإسراف في هذا الموضوع يعكس ثقافة بائسة لدينا من الاستهزاء تجاوزت بمضامينها وتفصيلاتها أخطاء الوزير ووصلت إلى التعدي على وزراء فاعلين وأيضا تجاوزت خطوط المنطق وبالتالي تحول المتهمين بالكسل إلى المدانين بالخطيئة..لم يتوقف النقاش على القضية ذاتها بل تجاوز إلى المساس بحياة الإنسان الخاصة وأيضا التعدي على تنمية البلد ومستقبل الدولة. وإن كانت الصحف الأجنبية كتبت عنوانا أو عناوين عن كسل السعوديين فإنّ آلاف المانشيتات الشعبية المليئة بألفاظ السخرية وعبارات الشتم ومسارات الاستهزاء قد ملأت أجهزة الجوال وتصدرت مجالس السعوديين عن الوزير مما جعل العالم ينظر ويتنبه إلى مشكلة أشد وطأة وقد تصدر عنها مانشيتات أخرى وأسوأ من الكسل تعكس ثقافة الاستهزاء والسخرية.
منذ زمن تحول الجو العام لدينا إلى ملامح سخرية لا تليق بمجتمع ينظر إليه العالم كنموذج ومثال للاحتذاء فمع كل قرار تتحول ساحات التواصل الاجتماعي إلى حلبات تشاحن وتباغض وتنابز بالألقاب أمام العالم وأيضا سخرية واستهزاء وتندر مما يجعلنا أمام قضية جديدة تحتاج إلى إعادة نظر في المضمون الشعبي للتعامل مع ردود الأفعال, فالعرج وزير وهنالك جهات رقابية وسلطات رقابة هي المسؤولة عن محاسبته هو وغيره المسألة لها أبعاد أخرى, فالقضية انتهت في موضوع فضائي لاحق تم فيه توضيح الرؤية وحتى مع اعتذار نائب الوزير التويجري في كلمة قالها على الهواء لم يترك بل أشبعت الكلمة تدقيقا وبحثا واستهزاء مما ينقل عنا صورة قاتمة وغير مجدية للتعامل مع مثل هذه الظروف. كلمتان حولت وسائل التواصل إلى حالة طوارئ واستنفار للنيل من الوزير ومحاسبته بصبغة استهزاء لم تتوقف ولن تتوقف أبدا بطرق تعكس أزمة مجتمعية ورجعية في التعاطي مع الموضوع.
الوزير العرج اتهم الموظفين وإن كان من أنباء واتهامات وردت لاحقا عن أخطائه فالدولة لديها القنوات الرسمية لمحاسبته وقد أخذ الموظفين حقهم من أول ساعة عقبت البرنامج ولكن من يحمي المجتمع والأجيال من ثقافة السخرية والاستهزاء ونشرها واللعب على أوتار الخطايا وبحث أوضاع الآخرين هل تحول الموظفين المعنيين وآخرين ساروا في إطار النقد اللاذع والسخرية المتواصلة إلى هيئة رقابة وهل المجدي أن ننتقد الشخص لفعله أم أن ندخل في أخطاء تجاوزت خطأه وتعدت مسارات المنطق والموضوعية ودخلت في إطارات أخرى.
الاتهامات الجائلة تصدر وقد يأتي شخص بمجرد منصب أن يصدر حكمه نحو جماعات كثيرة ولكن المشكلة أن تنتهج الجماعات أخطاء أعظم من الشخص عندها فنحن لا نحاسب شخصا ولكننا نوظف ونعكس سلوك حقيقيا للجماعة ذاتها. نتمنى أن نرقى في الطرح وأن نرتقي في مواجهة الأخطاء وأن ننتقد في إطار المنطق وفق أصول الموضوعية بعيدا عن التطويل والإسراف في تفصيل الأخطاء حتى لا نخرج من درب الانتقاد الحقيقي إلى ساحات من العراك الشخصي والمهاترات غير المجدية.