د. حسن بن فهد الهويمل
ذات مساءٍ، في قاعة [جامعة تشرين] على أرض الفقيدة [سوريا] أعاد الله عافيتها. وردها إلى أمتها ردًا جميلا، كنتُ أُحَاضِرُ عن احتفاليات المملكة في واحدة مناسباتها الوطنية.
وقد امتد الحديث إلى مشروعها الدعوي، ومرجعياته المعرفية: [عقيدةً] و[عبادةً]. وكانت الأغلبيةُ على وجل من شائعة [الوهابية].
وما كنت متحفزًا، ولا خائفًا. بل كنت أرقب إزالة اللَّبَسِ بالأسئلة. وما أن قَدّمتُ ما لدي، بَدَتْ الفجوة الكبيرة بين مَعْهُوداتهم الذهنية، وما أفضت به.
قال أحدهم:- أنت فيما تقول تخالف [الوهابية].
قلت: بل أنا فيما أقول أُمَثِّلُ ما يمثله مُصلِحٌ مُتَّبعٌ، وليس مبتدعًا.
أصحاب الملل، والنحل الذين فرقتهم بنيات الطريق، هم أولئك الذين سَكُّوا مصطلح [الوهابية]. وافتروا الكذب على علماءٍ الدعوة، الذين هم في الفروع [حنابلة] وفي الأصول [سلفيون].
المصلح [محمد بن عبدالوهاب] من أهل السنة والجماعة، حمل قومه على تمثل مقاصد الإسلام المستمدة من الكتاب، وصحيح السنة، ومحور دعوته [حفظ جناب التوحيد].
ولكي تُغَيِّروا ما بأنفسكم اقرؤوا ما كتبه، لا ما كُتِبَ عنه. فالعدل، والإنصاف، والمصداقية تقتضي التبين، وتصور حال المحكوم عليه.
وإن كان عندكم برهان من الله على بطلان ما يقول، فأنا أول الرافضين له، المتبرئين منه.
وما على المخالف إلا أن يَفْلي كتبه التي خطها بيمينه، ويبحث عن مخالفته غير المعتبرة لعلماء الأمة في مذاهب الفقه الأربعة. أو في علم الكلام عند السلف.
أما اختلاف العلماء المعتبر فيما بينهم، في الفقهين [الأكبر] [والأصغر] فإن [ابن عبدالوهاب] لم يكن بدعًا من العلماء، ولا مبتدعًا. وليست له مفردات يخالف بها إجماع الأمة، ومسائل الجمهور. فكل ما يقوله مجرد اختيارات، وترجيحات، سُبِقَ إليها.
نعم هو [سلفي] العقيدة على منهج [ابن تيمية] وتلميذه [ابن القيم]، و[حنبلي] الفقه، ولكنه لا يتردد في الاستزادة من علماء [الأشاعرة] و[المعتزلة]، والأخذ بما يوافق معتقده [السلفي]، ورد ما سواه، دون مصادرة لحق، أو مصادمة لمخالف.
والمنقبون في [الدرر السنيّة] وما في بعض فتاواها من حِدَّة، يجب أن تؤخَذ في سياقها، وفي ظروفها المحتدمة. ومجمل أحكامها اجتهادات فرضتها الظروف المضطربة، في زمن علماء الدعوة.
والحركة الإصلاحية المقبولة: عقلاً، ونقلاً، ودرايةً، وروايةً هزت الثقة في بعض الطوائف. ولمَّا أحَسَّ المتعصبون لنحلهم بمحاصرتها لهم، وفضح مخالفاتهم، ألَّبوا عليها الرأي العام، وافتروا الكذب، وحَمَّلوا علماء الدعوة مسؤولية التطرف، والغلو.
وركب الموجة [ليبراليون] فارغون و[علمانيون] مجندون ظنًا منهم أن بإمكانهم إطفاء نور الله بأفواههم {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ}.
الدعوة كأي منجز إنساني، لها، وعليها. مثلها كمثل أي حركة إصلاحية عبر العصور الإسلامية. لا ندعي لها العصمة، ولا نرفعها فوق المساءلة، والنقد، والتقويم.
وصاحبها لا يعيش حضورًا كحضور [الأولياء] عند المتصوفة. ولا [الآيات، والملالي] عند الروافض.
قبره في بلده كأي قبر، ليس مُشْرِفًا، ولا مزارًا. لا يعرف موقعه أحد. ولا يزوره أحد. ولكن الخاصة من العلماء كلما ذكروه، ترحموا عليه، لما له من فضل، لا يجحده إلا مُبْطل، أو مكابر.
إنه مجتهد قال كلمته، ومضى. ومشروعه إصلاحي، وليس طائفيًا. ودَعَوِي وليس سَلْطَوِيًا.
وعلماء المملكة يُحيلون إلى علماء الأمة، أكثر مما يحيلون إليه.
والاجتهاد عند أهل الاجتهاد المؤهلين له مصدرٌ من مصادر التشريع. والاختلاف المُحِيل إلى نَصِّ احتمالي الدلالة مشروع. والتحرج من الاجتهاد، والاختلاف سمةُ المبتدئين، أو المتعصبين لنحلهم.
والنيل من علماء الأمة مؤشر فشل، وخذلان، ومرض في الصدور. فلقد يتطاول الأردى على الأزكى، ثم يَجِد من يُناصره جهلاً، أو انتفاعاً.
وفي هذه الحال يتمنى العاقل مفارقة الحياة، إذ لم يعد في الإمكان العيش الكريم فيها:
[إذَا وَصَـفَ الـطَّائِيَّ بالبخلِ مـادِرٌ
وعَـيَّـرَ قِـسًّـا بالفهاهة با قِـلُ
وقال السُّهى لِلشَّمْسِ أَنْتِ خَفِيَّةٌ
وقال الدُّجَى: ياصُبْحُ لونُك حائِـلُ
وطـاولت الأرضُ السماءَ سَفَاهَةً
وفَاخَرتِ الشُّهبَ الحَصى والجنادلُ
فَـيـامَوْتُ زُرْ إنَّ الحياةَ ذميمةٌ
ويانفسُ جِـدِّي إِنَّ دَهْـرَكِ هَـازِلُ]