أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أخطر ما جاء في هذا اللقاء الجزم بالإفلاس السعودي الحتمي خلال ثلاث إلى أربع سنوات!! وقد كفاني فيما ذهب إليه اعتذار معاليه بأن التعبير «خانه»!! لأن الإفلاس كما جاء على لسانه هو: «كلمة قوية»، ومن أراد الاستزادة والتثبت من قوتها سواء في حق الفرد أو الشركة فضلاً عن الدولة فليرجع إلى معاجم اللغة وكتب المعاجم الاقتصادية الوضعية منها والإسلامية على حد سواء.
ربما لم يحسب صاحب المعالي الآثار المترتبة على إعلان حتمية الإفلاس لو لم تكن هذه التدابير الوقائية العاجلة والقوية، ليس على شريحة المواطنين- الذين كان الخطاب موجهًا لهم في الأساس- بل على المستثمرين السعوديين والأجانب والقاطنين غير السعوديين، وقد تتأثر بمثل هذا الكلام المحسوب والمترجم إلى كل اللغات الحية علاقة الدول والحكومات بحكومة المملكة العربية السعودية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
نعم نحن كغيرنا من بلدان العالم نمر بأزمة اقتصادية لا تخفى وقد مررنا بمثلها من قبل، ومرت بها وتمر بها اليوم دول عظمى ونامية، تختلف هذه الأزمات قوة وضعفاً، طولاً وقصراً، وخرجت منها غالبية هذه الدول- خاصة القوية اقتصادياً - بسلام، والبعض الآخر مازال عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته المالية للدول المقرضة، مما اضطره لإعادة جدولة ديونه من جديد، ومع ذلك لم نسمع أن دولة من هذه الدول أعلنت عن إفلاسها.
تصور معي لو أن معاليه (وهو من هو في خبرته وتخصصه وصلاحياته) قال بلغة المحب المشفق: «لا يخفى على المواطن الكريم - الذي عُرف عنه البذل والعطاء بالنفس والمال والوقت والجهد من أجل الوطن وفي سبل تقدمه وازدهاره - ما تمر به المملكة من ظروف سياسية وأزمات اقتصادية وحروب عسكرية وفكرية صعبة توجب علينا التكاتف والتعاون، فضلاً عن الالتفاف حول قيادتنا الحكيمة الحريصة على تأمين المستقبل الذي لا يعلم به إلا الله، وبقاء هذه البلاد كما هي بلد أمن وخير وأمان ونماء، وما هذه الإجراءات المالية التي طالت الجميع إبان الأيام القليلة الماضية إلا نتاج هذه الظروف، وهي بإذن الله تدابير وقائية مؤقتة حتى نتلافى ما هو أشد، ومحاولة جادة لتعزيز مركز المملكة الاقتصادي عالمياً من خلال التحول المدروس إلى الاقتصاد غير النفطي، إذ يجمع المحللون الاقتصاديون على أن استمرار اعتماد المملكة الكلي على البترول يعدّ مخاطرة حقيقية قد تكلفنا الشيء الكثير في المستقبل القريب، وأننا في مرحلة انتقالية من نمط اقتصادي إلى آخر، وهي بإذن الله لن تطول، وسنجني ثمارها نحن والأجيال القادمة إن شاء الله، وما ينتظره ولي الأمر ومتخذ القرار والمخطط الاقتصادي من كل مواطن محب أن يكون عوناً للقيادة في تجاوز هذه الأزمة بنجاح، وتحقيق ما ننشده من خير».
لو كانت هذه هي اللغة التي خُوطب بها شعب المملكة الذي تسمّر أمام شاشة الـmbc ليتابع الثامنة في انتظار ما يجّلي له الأمر ويطمئنه على مستقبله بلغة سهلة مقبولة، أقول: لو أن هذه اللغة أو ما شابهها كانت هي خطاب معاليه لكانت ردود الفعل متناغمة مع ما قاله معاليه، وحسناً أنه اعتذر، وأوضح أنه خانه التعبير، وهو اعتذار يقدر ويثمن لمعاليه؟
حفظ الله قادتنا، وحمى ديارنا، وأدام عزنا، ويسر أمرنا، ووقانا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.