د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
الفائض البشري في المجتمعات يشمل الشرائح غير المنتجة التي تعيش عالة على إنتاج غيرها، وقد تشكل خطرًا عليه أيضًا، وينظر لها على أنها عبء على المجتمعات وتعيق تقدمها. وبما أن مساحة العالم تقلصت كثيرًا نتيجة لتطور وسائل النقل والتواصل بحيث أصبح التواصل اليوم عبر القارات أسرع منه سابقًا بين القرى. وبما أن هذا التقارب كثف حجم التكافل العالمي بحيث أصبح العالم أشبه بمجتمع واحد تلعب فيه الدول أدوارًا كتلك التي تلعبها الشرائح في مجتمع واحد، فعلينا أن ننظر بواقعية وموضوعية لموقعنا من هذا العالم اليوم، لتكون لدينا الشجاعة أن نعترف، كعرب، أننا أصبحنا عبئًا ثقيلاً على العالم.
ولم يحدث ذلك بين يوم وليلة ولكنه تدرج بتخلفنا عن الطفرات الاقتصادية، والعلمية المتتابعة التي مر بها العالم. وقد نبّه لتخلفنا كثير من الباحثين العرب وغيرهم الذين همشوا كمغرضين ومحرضين. فانتقل العالم إلى أطوار متعاقبة جديدة من العولمة، واستعدت دول كثيرة لهذه الطفرات وحاولت استباق عولمتها بالبحث عن دور لها في الاقتصاد العالمي المعولم أما نحن فقد نظرنا لذلك كمؤامرة عالمية على قيمنا، وخصوصيتنا، مؤامرة عالمية علينا مواجهتها لا الاندماج فيها. واستطاعت دول حديثة الاستقلال نسبيًا كفيتنام، ودول ذات كثافة سكانية عالية كالهند، ودول عديمة الموارد الطبيعية كسنغافورة، وكوريا أن تجد لها مكانًا في العالم الجديد، أما العرب والمسلمون فمع الأسف، وعلى الرغم مما يملكون من موارد ضخمة بقوا خارج هذه التطورات لأنهم تصوروا أن قيمهم تتعارض معها.
وليس على العربي إلا أن يحاول النظر للعالم العربي من الخارج، بعين المراقب المحايد ليرى مشهد هذا الوطن العربي البائس على حقيقته لأنه لن يجد إلا الحروب، والدمار، والإرهاب. مشاهد القتل المروعة، وفتك أسلحة الدمار الهائل بالأبرياء لا تحرك ساكنًا في عالمنا العربي وأصبحت مشاهد معتادة، فالعالم لم يعد ينظر لنا كبشر، بل كمساحات جغرافية يجب تنظيفها وتطهيرها من الفائض البشري. وما يحدث من قتل ودمار يحدث مع الأسف بأيدٍ عربية، أو أيدٍ أجنبية استجدتها بعض الأنظمة لقتل مواطنيها. ونحن حتى يؤمن هذا لا نعرف هل سبب اقتتالنا لأتفه الأسباب وأكثر غباءً هو بسبب فشلنا التنموي أو العكس.
ما يحدث في وطننا العربي ليس بمؤامرات كما نحاول أن نفهمه لنبرئ أنفسنا من مسؤوليتنا، ونطهر ضمائرنا بإلقاء اللوم على غيرنا، ما يحدث في وطننا العربي بفعل أيدينا ونتيجة لسقوط سياسي، واقتصادي، وعلمي، وثقافي مروع. ما يحصل في منطقتنا مصدره الأساس سوء الإدارة السياسية، والتشبث بالسلطة، والانفراد بالقرار وتفشي الفساد. فعندما تعولم العالم واجتهدت كل الدول للبحث عن دور بناء مناسب لها في العالم الجديد، كان نصيب العرب ينحصر فقط في عولمة الفساد. استقطب العالم العربي الفساد المالي وغسيل الأموال، الصفقات المشبوهة من سلاح وغيره، وجذب بكل اقتدار وبشكل يثير الإعجاب حصة الأسد من مشروعات العالم الفاشلة. فلا شيء ينمو في عالمنا العربي إلا الصراعات البينية والداخلية والفساد.
الغرب يصورنا على أننا حالة ميؤوس منها، على أننا حالة سرطانية عالمية تحتاج لسلاح كيماوي واستئصال، ولذا فهو يدفننا تحت أكوام السلاح التي يحاول التخلص منها لأن خلايا العنف لدينا تتكاثر بلا انضباط. في السياسة العربية لا توجد حلول وسط، لا توجد نظرة مستقبلية ولا استراتيجيات بناء، يوجد فقط صراع على مكاسب بيع المواد الأولية، وحروب لا تتوقف حول هذه المكاسب.
نعيش فعليًا خارج المنظومة الأخلاقية والإنسانية العالمية، لدينا معايير خاصة بنا للأخلاق وحقوق الإِنسان، منظومة نعض عليها بالنواجذ لأنها هي التي تستر ما نحن فيه من أوضاع بائسة. نتمسك بها ونرى العالم من حولنا الذي يتطور ويتقدم على أنه عالم منحل أخلاقيًا، نراه منحلاً ونحن مجرد مستهلكون فقط لكل ما ينتج بما في ذلك ما يتعارض مع قيمنا، والأسلحة التي نتسابق لشرائها لندمر بها بعضنا البعض الآخر. نظرة موضوعية لعالمنا العربي البائس اليوم لا توضح أسبابًا حقيقة تبرر ما نحن فيه سوى الفساد الأخلاقي الذي نتهم الآخرين به، سوى الجهل الذي برعنا في إعادة إنتاجه ووصلنا به إلى أقصى درجات التقدم بحيث أصبح شبابنا يتشربه ويعمى ببريقه. وربما لنا إسهام واحد في تقدم العالم غير إمداده بالمواد الأولية، ألا وهو تحويل بلداننا إلى فيافٍ وقفار تقبر فيها الأسلحة التقليدية وغير التقليدية التي يرغب العالم في التخلص منها. ربما يكون هذا الكلام قاسيًا ولكنه مع الأسف يقصر عن تشخيص واقع حالنا.