«الجزيرة» - المحليات:
تحت عنوان: «دور قبيلة لخم في الحياة العلمية بالأندلس: من القرن الثالث الهجري إلى القرن السابع الهجري»؛ حصل الباحث محمد جمعة عبد الهادي موسى، على تقدير «امتياز» عن رسالته التي تقدم بها لنيل درجة الماجستير في الآداب، من قسم التاريخ، جامعة القاهرة، وأضفت لجنة التحكيم الكثير من الثناء على الباحث ورسالته، لتميزها، واصفة اياه بأنه نسابة جديد، وباحث جدير، وقد جاءت الرسالة في أربعة فصول؛ تشتمل على اثني عشر مبحثًا؛ تتضمن ثمانية وعشرين مطلبًا، تناول فيها موضوعات في غاية الأهمية عن دور قبيلة لخم العربية في الحياة العلمية بالأندلس.
ذلك أنه لمّا استقر قدم أهل الإسلام بالأندلس وتتامَّ فتحُها، صرف أهل الشام وغيرهم من العرب هممهم إلى الحلول بها، فنزل بها من العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم إلى أن كان من أمرهم ما كان. وكان لتميز عرب الأندلس بالقبائل والعمائر والبطون والأفخاذ أثره الجليل فى تكون كُبرى بيوتات العلم بالأندلس، والتي نبغ فيها العديد من أعلام المقرئين والمحدثين والفقهاء، والأدباء والشعراء والأطباء، وغيرهم من أهل العلوم النقلية والعقلية؛ فمثلت دراسة دورهم فى الحياة العلمية بالأندلس أهمية خاصة، لِما كانت تقدمه هذه القبائل من إسهامات علمية جليلة فى مختلف العلوم عن طريق العلماء المنتسبين إليها وبيوتات العلم فيها.
وكانت قبيلة لخْم من هذه القبائل العربية العريقة التي لعبت دورًا جليلا فى الحياة العلمية بالأندلس؛ وهي فى الأصل قبيلة يمنية، دخلت مع جيوش الفتح الإسلامي واستقرت بمواضع عدة بالأندلس، وكانت إِشْبِيلِيَة حاضرتهم التي استقروا بها؛ فاشتهر منهم بإِشْبِيلِيَة: بنو عباد، وبنو الباجي، وبنو حجاج، وبقُرْطُبة اشتهر منهم: بنو زياد، وبطُلَيْطُلَة اشتهر منهم: بنو وافد، وغيرهم.
كما كانت قبيلة لَّخْم من القبائل العربية التي شاركت فى الأحداث السياسية بالأندلس بداية من الفتح الإسلامي لها، والذي تولى قيادته موسى بن نصير اللَّخْمي، فكانوا أول الولاة على الأندلس فيما عرف بعصر الولاة، ثم ظهر اسم هذه القبيلة مرة أخرى على مسرح الحياة السياسية خلال عصر ملوك الطوائف بقيام دولتهم بإِشْبِيلِيَة (414-484هـ=1023-1091م)، والتي كانت من حيث الرقعة الإقليمية، والزعامة السياسية، والقوة العسكرَيّة، أهم دول الطوائف وأعظمها شأنًا؛ فصح بذلك أن نكتب عن قبيلة لَّخْم أنها كانت من أصحاب الدول العربية والإسلامية فى المشرق والمغرب الإسلامي.
لقد كان الدور العلمي لقبيلة لَّخْم صفحة مشرقة فى تاريخ التراث العربي بالأندلس فى الفترة المذكورة؛ التي زخرت فيها الأندلس بتطورات علمية هامة، يأتي فى مقدمتها العلوم الدينية ويبرز فيها حدث تغير المذهب الفقهي لأهل الأندلس عن مذهب الإمام الأوزاعي إلى مذهب الإمام مالك من خلال مشاركة علماء المالكية اللَّخْميين بشكل خاص، بداية من دور الفقيه المالكي زياد بن عبد الرحمن، المعروف بزياد شبطون (ت204هـ/819م)، والتي تحفل كتب التراجم والطبقات بالتأريخ لحدث إدخاله موطأ الإمام مالك إلى الأندلس «مُكملا مُتقنًا»، كما تزخر بالتأريخ لدور من جاء بعده من الفقهاء اللَّخْميين فى العناية بالمذهب المالكي.