د. خيرية السقاف
المتذمر من الضرائب هو ذاته يدفع نظيرتها في دول العالم، حين يكون في سفر، يذهب للتبضع، أو الدراسة، أو العمل، وكل الذي تقره أنظمة الدول التي يذهب إليها يؤديها راضيًا مطمئنًا، ربما لأن ما استقر في دخيلته عنها هو أنها الأفضل، والأجمل!!
فهو الذي تشكلت ثقافته وقناعته بأنها المجتمعات «النموذج» التي درَّ من أجلها لعاب ميوله، وشرب قلبه حبها فما تقره مطاع، بل يدفع فيها دون أن يفكر، ..
بلاده حين أرادت أن تنظم قوانينها، وتعيد ترتيب نظامها الاقتصادي، عصب رأسه، وشد على بطنه، وتراءى له الجوع والصداع..
كما سبق أن قلت إن المتغيرات التي طرأت في سلوك الناس بوصفها ردود فعل، أو نتائج مرحلة، بعضها بوتقة للصقل وللأفضل، وللخبرة، ولتمكينها في مسار تتجدد فيه القدرة على التعامل مع الواقع بجدية، ووعي أوسع،
وبعضها حضيض يثير رماده في بعض منهم الجرأة، ويقوي من حماسهم للانفلات غير المجدي، والمسيء لأنفسهم، ولمجتمعهم، بل لوطنهم عامة..
والوطن أغلى من القروش التي تقتطع للضرائب،
الوطن أغلى من إثارة النفوس للتمرد والغوغاء،
الوطن أغلى من الراتب، من الغذاء، والماء، والكهرباء، ..
الوطن ذات مفعمة بالنبل والأثرة،
هو أثمن من نتائج التحريض، والانصياع، ولو بجملة غير مسؤولة يزج بها فاسد فيتبعه جاهلون..سذج في وسائل التواصل، هذه الساحة المكشوفة، والمضمار المتاح.
الوطن ذوات تُؤْثر على أنفسها ولو كان بها خصاصة، لأن الرزق تعلم إيمان مطلق، ويقين ثابت بأنه في السماء، والوعد به بيِّن صادق..
الوطن الذي تنام فيه مطمئنًا، وتستيقظ فيه آمنًا على نفسك، في سربك، تنحاز الدنيا إليك، قول لم يُطلق عن هوى، .. ولا يأتيه باطل..
فما بال من يفسد على الوطن أمنه، وسلامه، ولحمة سربه بما يحرض به الذين هم غير واعين يتبعون المكيدين، ويقلدون الحاقدين، ويجهلون بما وراء المفسدين..!
الوطن اليوم في ذمة الوعي، والحب، والانتماء الصادق،
في ذمة المواطَنة الحقة، أمنها، ومحضنها.
فليكن الحب للوطن نقيًا نزيهًا لا أغراض منه، ولا تدليس فيه، ولا مساومة عليه، مهما كان الثمن وإن جزءًا من الراتب، أو ضريبة للشراء..!!
فالوطن لم يطلب من الناس ضريبة انتماء، ولا مقابل عيش،
أرضه لهم، وسماؤه، خيراته، وماؤه، ظله، وعضده، اسمه وكيانه..
الوطن وحده الذي يحب بصدق، ولا يكذب أهله، ولا يساومهم على شيء!!.........