علي الصراف
الإرهاب عقلية، قبل أن يكون أي عمل. وهو بشع كنمط تفكير قبل أن يكون بشعا في وحشيته. إنه تصورٌ ذهني حيال الوجود قبل أن يكون تنفيذا لأي جريمة.
لهذا السبب، فإنه تمرد وحشي على الطبيعة الإنسانية، كما إنه انقلاب مريض على القيم والأخلاقيات الدينية.
القيام بعمليات انتحارية، أمر يقع في صلب ثقافة الإرهاب. إنها تصوّرٌ مسبق للعمل ولمخلفاته ولإرثه من سفك الدماء. وما من منظمة إرهابية إلا واعتمدته منهجا لها.
وعندما يقدم متطوع نفسه لواحدة من منظمات الإرهاب، فإن أول سؤال يواجهه هو ما إذا كان يرغب بالقيام بعملية انتحارية.
وتذهب منظمات الإرهاب إلى هذه الوسيلة، أولا، لأنها «رخيصة»، وتسترخص حياة القائم بها كما حياة كل من يقعون ضحية له، وثانيا، لأنها تستهدف الترويع. وثالثا، لأنها «مشهد» في العقل المريض.
إذا كان التفكير ينصب على العمليات الانتحارية، فهذا يكفي بمفرده لكي يجعل من صاحبه إرهابيا ليس بموجب التعريف، وإنما بموجب ما تمليه تلك العقلية التي تقف وراء الطبيعة «المشهدية» لهذا النمط من الجرائم.
لماذا؟ لأن «الانتحاري» غالبا ما يكون قد انتحر أخلاقيا واجتماعيا وإنسانيا قبل أن ينتحر فعليا.
هذا النمط من «الانتحار الشامل»، هو المؤسس الفعلي للإرهاب كسلوك وكتصوّر.
ولكن ما رأيك إذا عثرت على «دولة» تفكر بالعقلية نفسها؟؛ «دولة» تتخذ من «العمليات الانتحارية» أساسا لتصوّرها للعلاقة مع من تتخذهم كأعداء؟
إيران دولة إرهاب، ليس لأنها ظلت تمجّد وتشجع وتبرر أعمال الإرهاب فحسب، بل لأنها تجعل من «الانتحار» جزءا من ثقافتها ومن تصوّرها الذهني للعلاقة مع الكون أيضا. ولطالما جعلت منها أساسا لعقيدتها القتالية. انظر في السجل، وسترى أن الأدلة أكثر من كثيرة.
أخيرا، تفتقت عقلية هذه «الدولة» (وهي لا أكثر من نظام مليشياوي في الواقع)، عن اختراع جديد، يصلح نموذجا لتجسيد «عقلية» الإرهاب وعقيدته.
فلقد انتهت مليشيات «الحرس الثوري» إلى إنتاج ما وصفته وكالة الأنباء التابعة لها، بأنه «طائرة انتحارية من دون طيار».
وتضيف الوكالة، التي نشرت صورا لهذه الطائرة، «أنها قادرة على نقل شحنات متفجرة لكن لا يمكن تجهيزها بصواريخ وهي مزودة بكاميرات متطورة وقادرة على التحليق ليلا لإصابة الأهداف على الأرض وفي البحر».
مبروك. لقد كسب الإرهابُ انتحاريا آخر!
ولكن هات من يدرك أن «عقلية الإرهاب» هي أصل الفكرة، وإنها هي «التكنولوجيا» الأساس. أما كل شيء آخر من كاميرات التصوير وأجهزة التوجيه وغيرها من التقنيات فإنه متاح ومتوفر حتى للأطفال في بعض دول العالم. ولكن تسخيرها للقيام بـ«عملية انتحارية» هو كل الفرق بين ألعاب الأطفال، وشغل الإرهابيين. وهو ما يمكن أن يجعلها مطلبا «تجاريا» لكل منظمة من منظماته.
المسألة بالأحرى، إنما تتعلق بما تقصده تلك الطائرة. إنها تستدعي التصوّر الذي يرتبط بالأعمال الانتحارية، لتقصد منه تجسيد «المشهد» الجبان لأعمال الترويع (الأشلاء، الدماء، ألسنة اللهب، الرماد، ...الخ)، قبل أي شيء آخر.
إلى أي حد يمكن لأعمال هذه «الدولة» (سابقا) أن تتسم بانحطاط التصوّر ورخص الأدوات؟ ألا تراها تكرس بهما «تكنولوجيا الإرهاب»؟
هل نقول: «مبروك» لبعض العالم الذي ما يزال يعتقد أنها «دولة» وليست منظمة إرهاب!