عبد الرحمن بن محمد السدحان
"أمريكا "قارة" من الأُمم.. جَمَعها شتاتُ الخوف والفَقر والفَزع.. فهاجرتْ إليهِا أفواجاً.. لتصنعَ من فزعها أمْناً.. ومن غربتها ألفة، ومن فقرها ترفاً!
* * *
أمريكا.. عجينةٌ عَجيبة من الخَلْق والعَادات والقيم والتاريخ تأتي إليها.. فتحسبُ أنك لن تغادرها أبداً! وترحَلُ عنها فتظنّ أنك لن تعودَ إليها أزَلاً!
* * *
أمريكا.. مزيج غريب من الأديان والثّقافات.. يُبهُرك إنجازُها الحضَاريّ.. واحترامُ إنسَانها لإرادة الجماعة.. وسُلطة القانون! لكن.. تقهرُكَ في آن.. (أمُيّة) شارعها السياسي.. الذي بات مطيةً هينةً.. لهُواة السّياسَة.. وحُواة المصَالح! وصَار مَرتعاً لفكرْ ومَكرْ جماعات الهوى السياسي.. والغايات (المسيّسة)!
* * *
أمّا العَربُ.. في أمريكا.. ومثْلهُم المسْلمُون هناك فَوَا حسرتاه عليهم!! (يفْترشُون) رصيف الشارع السياسي، وغيرُهم يركض في مساراته آناء النهار وعبر ظلمات الليل، تحسَبُهم جميعاً.. وقلوبُهم شَتّى! يتقاسمُهم الخُلْفُ من بين أيديهم ومن وَراء ظُهُورهم!
* * *
يخْتصمُون كلَّ يوم ألفَ مرة! ويتصالحون كلَّ يوم ألفَ مرة! ثم لا يلبثون أن يعودوا إلى خُلفهم أو يعود الخلف إليهم! ولذا.. فشلتْ ريحُهم في (مزاد) السياسة الأمريكية!
* * *
الكلّ يتذكّر.. كيف تعامل كثيرون منهم مع محنة الخليج الثانية قبل أكثر من عقدين من الزمان.. فآزرُوا الظالمَ ضد المظلوم! وانقسموا في الفكر والهوى.. و(تقاسموا) قناعات يضَادُّ بعضُها بعضاً! نسُوا أن التاريخ.. لا يُمهلُ ولا يَنسَى، لكن بعض الشعوب يهملون التاريخَ وينسُون أنفسهم ومصالحهم!
* * *
وبعد..
فتلك هي أمريكا.. بلاد تحبُّها مُكْرهاً.. حيناً! وتكرهُها رغم الحب لها أحياناً! تحبّ فيها عزمَ المستحيل وإرادةَ الممكن! وتكْرُه فيها صَلفَ بعض السَّاسة، حين يتَعَاملُون مع حقوق بعض شعوب الأرض بـ(شريعة) رُعاة البقر! ينسُون أن هذه الشعوب ليسُوا هنوداً حمراً.. ولا رعاةَ بقرٍ، وأن أولئك وهؤلاء قد خرجوا من بوابة التاريخ منذ زمن بعيد!