نجيب الخنيزي
«تنامي الفوارق بين الطبقات في الولايات المتحدة وانعدام فرص الارتقاء الاجتماعي يضر بالديمقراطية في البلاد. « الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا اعتقد أنه يوجد بلد في العالم تتسع فيه حدة الفوارق الطبقية والتفاوت الاجتماعي ما بين السكان كما هو الحال في الولايات المتحدة حيث ترى وتلمس النتائج الكارثية لتطبيق «الليبرالية الجديدة» وقوانين السوق الغابية، هناك كيلومترات قليلة تفصل ما بين مناطق الأثرياء في المدن الكبرى حيث المساكن والسيارات الفخمة المتناثرة بين الحدائق والمسابح والغابات والبحيرات الجميلة، وما بين أحياء الفقر والبؤس التي لا تختلف في مستواها عن الأحياء الفقيرة في البلدان النامية.
أكثر ما شد انتباهي وجود الأعداد الكبيرة من المشردين والهائمين على وجوههم الذين يتوشحون العراء في ناصية الشوارع والحدائق ومواقف السيارات ومداخل المحلات التجارية والعمارات السكنية، كما تصدمك مناظر لأناس (رجال ونساء ومسنين وأطفال) يرتدون ملابس بالية، ويحملون لوحات صغيرة كتب عليها عبارات استجداء مؤثرة من قبيل أنا جائع، احتاج إلى دولار، أنا عاطل، لا أملك سكنًا وغيرها. وقد كشفت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية أن الولايات المتحدة تضم أعلى نسبة مشردين من النساء والأطفال بين نظيراتها من الدول الصناعية، وتظهر بيانات مركز القانون الوطني لمكافحة التشرد والفقر (مركز أمريكي غير حكومي) أن نحو ثلاثة ملايين يعيشون تجربة التشرد سنويًا في الولايات المتحدة، وبين الثلاثة ملايين مشرد مليون و350 ألفًا من الأطفال، ولا يستطيع مليون من العاملين بدوام كامل أو جزئي في الولايات المتحدة تلبية كلفة السكن، حسب المصدر نفسه. لمواجهة ذلك أعلنت إدارة الرئيس أوباما في عام 2010 عن خطة لإنهاء ظاهرة تشرد الشباب والعائلات والأطفال مع حلول عام 2020 غير أن هناك شكوكًا في تحقيق ذلك في ضوء هذه المعطيات.
من جهة أخرى كشف تقرير آخر من مؤسسة آني أي فاونديشن أن واحدًا من كل خمسة أطفال أمريكيين يعيش في حالة فقر، ونحو ستة عشر مليون طفل، يعيشون معظمهم في الأسر التي تكسب أقل من أربعة وعشرين ألف دولار سنويًا.
في حين بلغ عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت عتبة الفقر في الولايات المتحدة في عام 2013 نحو 45.3 مليونًا، بحسب ما جاء في تقرير هيئة الإحصاء الأمريكية في سبتمبر 2014.
وبيّن مسح شمل الأسر الأمريكية أن 12.5 مليون شخص باتوا عاطلين عن العمل، وهو الرقم الأعلى الذي يتم تسجيله منذ بدء تسجيل مثل هذه الحالات في العام 1940.
وعلى الصعيد نفسه، ارتفع عدد العمال العاملين بدوام جزئي، الذين لا يستطيعون الحصول على وظائف دائمة أو تم اقتطاع ساعات العمل لديهم من 787 ألف عامل إلى 8.6 مليون عامل.
التدهور الاقتصادي أثر بشكل حاد على مستوى المعيشة لدى الطبقة الوسطى التي كانت تعتبر مثالاً للحلم الأمريكي والدعامة الرئيسة للاقتصاد حيث تستمر في الانكماش والاندثار، وقد اتسعت الهوة بين الواحد في المائة من الأمريكيين الأكثر ثراء وباقي الشعب لتصل إلى مستوى غير مسبوق منذ سنة 1928، وذلك استنادًا إلى دراسة أعدها الخبير إيمانويل سايز من جامعة كاليفورنيا سايز وكشفت الدراسة أنه في الفترة الممتدة ما بين 2009 و2012، استحوذت شريحة الأغنياء التي يتجاوز دخلها السنوي 394.000 دولارًا في السنة، على 95 في المائة من مجموع دخل العائلات في البلاد.
وفي حين يبلغ الرقم الإجمالي لثروات أغنى 20 أمريكيًا العديد منهم متهم بالتهرب أو التحايل الضريبي 750 مليار، أي ما يفوق الثروة الكلية لـ152 مليون مواطن أمريكي يشكلون نصف المجتمع وذلك وفقًا لتقرير أصدره «معهد الدراسات السياسية» الأمريكي. وقدرت مجلة فوربس ثروة أغنى 400 أمريكي عند 2.34 تريليون دولار، وهو ما يؤكد أن تركز الثروات ينحصر أكثر فأكثر في أيدي ثلة متناقصة من النخبة التي تهيمن على انساق الثروة والسلطة والقوة في الولايات المتحدة.