محمد سليمان العنقري
قبل أيام زارت مديرة صندوق النقد الدولي الرياض وخلال مؤتمر صحفي عقدته أشادت بالخطوات التي تتخذها المملكة لمواجهة تحديات تراجع اسعار النفط وكذلك أيدت ما جاء برؤية المملكة الاقتصادية وأعطت كل الانطباعات الإيجابية عن الخطوات المتخذة لتحسين إيرادات الخزينة وتقليص الإنفاق وهي عادة ما يدعو لها صندوق النقد بنصائحه لكل الدول بمعزل عن طبيعة اقتصادياتها أو مجتمعاتها، ولم تغفل السيدة لاغارد التذكير باستعداد الصندوق لتقديم الدعم الفني للمملكة ولدول الخليج في تنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية بداية ليس بجديد على مسامعنا نوعية نصائح صندوق النقد الدولي فكلها تصنف على أنها لو طبقت فسوف تسارع بإنهاك دخل الأفراد من خلال الدعوة لفرض ضرائب والغاء دعم السلع مع بعض التجميل من خلال الدعوة لدعم القطاع الخاص وزيادة فرص العمل وبدون خطط واضحة أو تجانس بين رفع تكاليف الإنتاج والمعيشة وبتناقض صارخ مع دعم القطاع الخاص!! وقد قالت لاغارد بالمؤتمر الصحفي: «الإصلاحات تتطلب ترتيب الأولويات وتسلسل تنفيذها للحد من مخاطر التعثر في التنفيذ وإتاحة وقت كافٍ لمؤسسات الأعمال والأفراد للتكيف معه».. وإذا قارنا ذلك بدعوتها لرفع أسعار الطاقة سريعاً لأنها أقل بكثير من أسعارها عالمياً وأيضاً دعوتها لفرض ضريبة انتقائية وكذلك القيمة المضافة مع تقليص حجم فاتورة رواتب القطاع العام، فإن مثل هذه التوصيات تعد بعيدة عن واقع اقتصادنا واحتياجاته وطبيعته الاجتماعية.. فنحن دولة تعد من أكبر منتجي النفط ومن أقل دول العالم بتكاليف إنتاجه فهل نفقد هذه الميزة حتى نتماشى مع الأسعار الدولية للطاقة ! فكل اقتصاد بالعالم يمتلك مزايا يحافظ عليها ويعززها ويقويها بأن يبقي عليها بينما يحسن بالعناصر الأخرى حتى يبقي الميزة الأساسية داعم للتنافسية وانخفاض تكاليف الإنتاج، بل والمعيشة وهنا لا نقول إن إبقاء أسعار الطاقة رخيصة جداً يعد حلاً لتنافسيتنا بل يمكن الإبقاء على مستويات أسعار تبقى أرخص من العالم لكن أعلى قليلاً من مستوياتها المنخفضة أي الحفاظ على هامش يدعم تنافسيتنا وانخفاض تكلفة المعيشة فيكفي التذكير بأننا ولله الحمد دولة مساحتها ضخمة ويلعب النقل دوراً رئيسياً داخلياً بتكاليف السلع للمستهلك النهائي ولذلك فإن رفع أسعار الطاقة لمستويات عالمية سيرفع من تكاليف المعيشة بنسب عالية تفوق أي مستوى يمكن استيعابه برفع الدخل بوقت قريب ،كما أن فرض الضرائب عى السلع ورفع تكاليف المعيشة سيلغي سريعاً نسبة عالية من الطبقة الوسطى وحتى يتم استعادة التوازن لدخلهم سيكون ذلك مكلفاً أكثر من عوائد فرض الضرائب بالقياس الزمني للمعالجات التي يمكن اتخاذها.
أما القطاع الخاص فقد أدى التراجع بالإنفاق العام خلال العام الماضي والحالي لانحدار كبير بمستويات نشاطه وأدائه عموماً خصوصاً قطاعات المقاولات ومواد البناء والتجزئة والقطاع المالي كذلك مما يعني أنه لا يمكن الانتقال لدور كبير للقطاع الخاص بالاقتصاد ليعتمد ذاتياً على نفسه وعلى نشاط اقتصادي لا يكون مبني على تاثير كبير من الإنفاق الحكومي في وقت زمني قصير وهو ما ذكرته لاغارد ويتناقض مع نصائحها الأخرى! أي أننا بحاجة لخطة يحسب فيها بدقة المدى الزمني المناسب كي يتمكن القطاع الخاص من تعزيز قوته التنافسية ورفع كفاءته التشغيلية بدون أي دعم أو تحفيز كبير وبالمقابل فإن من أهم مكاسب السنوات السابقة التي شهدت زخماً كبيراً بالانفاق العام هو بروز قوي للقطاع الخاص بكيانات عديدة مما يتطلب إيجاد البيئة المناسبة للحفاظ عليها وليس تحميلها ضغوط قد تؤدي لخروج عدد كبير من السوق فجميع المنشآت بمختلف أحجامها وأنواع نشاطها بناها الاقتصاد الوطني من خلال المشاريع العديدة التي نفذت بالسنوات الماضية وتنفذ حالياً نصائح صندوق النقد. لا تقدم ولا تؤخر كثيراً فهي تقليدية ومعروفة ويقدمها الصندوق لكافة الدول لا يفرق بين شرق وغرب ولا بين مجتمع وآخر ولا اقتصاد قوي أو ضعيف من حيث إمكانياته خصوصاً بالدول الناشئة عموماً ولذلك فإن رفض كثير من هذه الدول لنصائح الصندوق كان مبنياً على السلبيات التي ستتحقق من اتباعها وأشهر من رفضتها ماليزيا واستطاعت العودة باقتصادها للنمو الصحي، ومن الأنسب لدول الخليج والمملكة أن تبني خططها على ما تحتاجه اقتصادياتنا وعلى طبيعة مجتمعاتنا وما يناسبها من خطوات للتطوير والإصلاح والعامل الزمني المناسب والمتدرج.