د.عبدالعزيز العمر
في يوم من الأيام جمعني وبعض الزملاء مع المرحوم معالي الدكتور محمد الرشيد لقاء أخوي، في هذا اللقاء كشف لنا معاليه عن أمنيته أن يأتي اليوم الذي لا يعود فيه مهتماً بمتابعة أسعار النفط كل صباح، فمعظم طموحات ومبادرات معاليه التطويرية كانت في ذلك الوقت تصطدم بحواجز ضعف بنود الميزانية وعدم قدرتها على تلبية احتياجات التعليم، أي أنّ مخصصات التعليم المالية ومشروعاته كانت ولا زالت تعتمد بصورة مباشرة على أسعار النفط المتقلبة. رحل معاليه عن دنيانا ولم تتحقق أمنيته.
كان معاليه يقدم وزارته للآخرين تحت مسمّى (وزارة المستقبل)، فهو يرى أنّ التعليم فقط هو الذي سيحدد ويشكل ملامح مستقبلنا وليس النفط، فالنفط ثروة مادية ناضبة، وإن لم تنضب هذه الثروة فقد تصبح كاسدة يوماً ما. هناك دول لا يوجد في باطن أرضها اليوم ذرّة نفط واحدة، أو ذرّة حديد واحدة، ومع ذلك تجدها تقود العالم اقتصادياً. التنمية الوطنية والتقدم والازدهار الحضاري، أصبح اليوم يعتمد بصورة مباشرة وأساسية على الثروة البشرية، وليس على الثروات المادية. وبديهيٌ القول إنّ الذي يجعل دول العالم المتقدم تختلف عن دول العالم الثالث هو ثروتها البشرية. ومؤسسات التعليم هي التي تصنع هذه الثروة البشرية . في كل دول العالم توجد مؤسسات تعليم ، لكن القليل من هذه المؤسسات التعليمية قادرة على صنع ثروة بشرية حقيقية، أما لماذا تنجح بعض نظم التعليم في صناعة ثروة بشرية في حين تفشل نظم أخرى، فالسبب يعود بالدرجة الأولى إلى الإرادة السياسية التي تمنح التعليم أولوية قصوى في أجندتها، وتؤمن بدوره العظيم في صناعة التنمية، وقبل ذلك تؤمن أنّ مواطنها يستحق تعليماً عالي النوعية يحترم عقله وكرامته.