د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
لعلّ من المناسب أن أبدأ موضوعي بقول سيد البيد -رحمه الله-:
ألا أيها المخبوء بين خيامنا
أدمتَ مطالَ الرملِ حتى تورّما
وفي ذاك السياق أقول؛ إنه على الرغم من أننا قد مللنا القراءات المسطحة والقراءات المجامِلة عن واقع التعليم، وضقنا ذرعاً بغفلتنا حقبة من الزمن كانت مليئة بمحفزات النهوض لتلك الصناعة النفيسة، إلا أنني وجدتُ الحديث عن التعليم «ما من صداقته بُدٌّ» وما أشد ظمئي لقصيدة شاردة أشيد فيها بالتعليم في بلادي لا يلتفت بعدها المستمعون ليبحثوا عما أقول فلا يجدونه إلاّ لماماً، كل ذلك دفعني للبحث عن الخريطة التي تحدد مسيرنا (أين كنا؟ وأين نحن؟ وأين نتجه في واقعنا التعليمي)، ثم ما هي الرؤية التي اتفق عليها المجتمع بأسره مع المكلفين بصناعة التعليم والتربية؟!! وأين نموذجنا الوطني في التعليم والتربية الذي يعانق في مكوّناته ومنهجه هويتنا، وأجزم أنه موضوع ثقيل وطويل سلّمه ، تتقاصر الطروحات حين مقارعة حصونه المنيعة, وقنواته الممددة، ومصانع القرار فيه..
أما أين كنا؟ فلا تخفى الإجابة على ذي لُب وإن حصدنا بعض الجوائز التي فتقتها لنا طيبة الذِّكر «موهبة»، فالناجحون لدينا مازالوا استثناءً قد نالوا ما نالوه من مصبات ربما تجاوزت في جلِّها مصانعنا, ويعلم الله أننا اشتقنا للوصول إلى اليقين التعليمي والتربية المتفوّقة اشتياق صحارينا الشامخة للمطر، لنكون مثل الدول التي كانت سابقاً تماثلنا؛ ولن أقف عند ذلك المنعطف كثيراً وإنْ كان يسير التناول، لأنّ شواهده كثيرة تتصدرها المخرجات التي مازالت تنشد الإتمام وتحتاج في محطاتها إلى جرعات داعمة, أما أين نحن فإنه بالرغم من الوهج المحيط بمؤسسات التعليم والحِراك الذي يعلن عنه في دقائق الزمن وساعاته، وما تحمله أنباء القوم من اللقاءات والمؤتمرات وأخواتها، إلاّ أنّ ذلك ضاعف البُعد والشُّقة عن صناعة المتعلم السليم فكراً ووجداناً، وأسهم في تمتين جدار العزلة عن محيط المستفيدين في المدارس، لأنّ المنتجات تصنع وتعبأ خارجها، ولقد ردد ذلك معالي وزير التعليم موجهاً في عدة لقاءات بأسلوب مباشر واضح، كما أنّ جل ذلك الحِراك لا يركز على المعرفة العميقة التي هي مشروعنا الحضاري الذي يجب أن يتصدّر أولوياتنا وأن نراهن عليه, ونتج عن عدم الاهتمام بالمعرفة الغزيرة ما يمكن تسميته «الخداع التعليمي»، فتضخّمت النتائج واتكأ تقييم الطلاب على منابع ضحلة، فكان تعليماً زجاجياً أنتج أبناء للزينة، وانتقل إلى وجه الخريطة الآخر الذي نبحث فيه إلى أين نتجه في مستقبلنا التعليمي؟! وإنْ كان التعليم دخل إلى رسم صورة المستقبل من خلال منظومة التغيير الوطنية الشاملة المضمّنة في رؤية 2030، إلاّ أنني أوجز بعضاً مما أراه من ممكناتها فالرُّقي بمستوى التنظيم مطلب أولي لإصلاح التعليم وتلك غاية عظمى لا تقبل الانشغال بغيرها، ولا بد في صناعة النموذج الوطني للتعليم من الاستيعاب التام للمنظومة التربوية، في جوانبها العقدية والنفسية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية، وهذه متطلبات المستهدفين من التحول المطلوب ولا يمكن لأيِّ بناء نظري أن يصمد دون المعنيين بتلك المظلة، وأن تكون التشريعات على مستوى النظام كاملة، في ظل وجود رؤية وطنية ملزمة للجميع، والاهتمام بسد الثغرات والفراغات والتكرار في النظام، وأن يكون التنسيق على مستوى الكوادر البشرية، بمعنى الاستفادة من ذوي الاختصاص المتميزين، وأن يكون أصحاب الفكر قيمة يُستفاد منها وطنياُ في أي مكان، فكم يحتج التعليم للبدايات الذكية والنهايات الأذكى.