حمّاد السالمي
- لعل من أهم الوقائع المنشور عنها في الصحف السيارة صبيحة يوم الأربعاء قبل الفارط؛ ما جاء عن صدور أحكام قضائية من المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة بالرياض، وكانت 74 سنة سجنًا ضد ستة من عناصر خلية إرهابية تتبع منظمة القاعدة الإرهابية، خطّطوا لاغتيال أمير منطقة مكة المكرمة بين سنتي 1434هـ و1435هـ. وقيعة الأحكام هذه؛ مرّ نشرها مرور الكرام على السعوديين الذين شغلتهم قضايا جدلية حادة من مثل: (التفليسة المبشّر بها، وساعة الموظف الكسول)..! وما شاكل ذلك.. شغلتهم عن اهتمام أمني ظل عدة سنوات هو شغلهم الشاغل.
- إن ما جاء في حيثيات الاتهام؛ واعترافات المتهمين؛ والحكم النهائي في هذه القضية؛ هو مما يشد الانتباه، ويستحق المتابعة واليقظة كذلك. القضية هي تحت عنوان: (التخطيط لاغتيال أمير منطقة مكة المكرمة). ثم عرضت لائحة الادعاء جملة من الاتهامات الأخرى التي توزعت بين الإرهابيين الجناة، ومنها على سبيل المثال: (الشروع في اختطاف ضابط مباحث بعد خروجه من المسجد تحت تهديد السلاح، والشروع في تفجير مجمع تجاري، واعتقاد كفر الحكومة السعودية، ومبايعة زعيم تنظيم داعش، وتمويل الإرهاب، والتستر على إرهابيين ومطلوبين للعدالة).. إلى غير ذلك.
- المتهم الأول الذي هو زعيم الخلية الإرهابية السرية، ناله اثنتان وعشرون سنة سجنًا من مجموع الأحكام، فنجا هو واثنان من زملائه الإرهابيين؛ من عقوبة الإعدام التي طالب بها الادعاء العام لثلاثة من الإرهابيين الستة.
- المفاجأة المدوّية في نهاية هذه المحاكمة الأخيرة في سلسلة محاكمات الخلايا الإرهابية؛ التي تستهدف أمن المملكة وأمن مواطنيها، جاءت في ورقتين سلمهما المتهم الأول رئيس الخلية الإرهابية لقاضي الجزائية؛ يشير فيهما بأصابع الاتهام إلى (بعض مشايخ الدين الذين غرّروا به)..! هكذا ورد نصًا فيما رَشح ونُشر عن هذه المحاكمة.
- إن ضلوع مشايخ دين- كما قال بذلك المتهم- وتحديدًا دعاة؛ هو أمر غير مستغرب، وقد مرّ علينا وبنا كلام كثير عليه في حالات كهذه سابقة، لها صلة بالقتل والتفجير والإرهاب وتكفير الدولة والمجتمع، ودعم الجماعات والمنظمات الإرهابية، ابتداءً من القاعدة؛ وصولًا إلى داعش والنصرة وبوكو حرام وجماعة الإخوان، ومن سار على هذا النهج الدموي في الداخل والخارج.
- من المؤكّد أن الورقتين المسلَّمتين من زعيم الخلية لقاضي الجزائية؛ تتضمنان أسماء مشايخ التكفير والتنفير والتغرير الذي يدعيه المتهم، ولأن كافة محاكمات الإرهابيين في الجزائية عادة لا تذكر أسماء المذنبين، فهي بالتأكيد لن تتطرق لأسماء متهمين من مذنب صادر بحقه حكم شرعي، وهذا الأمر لا يعفي الجهات الأمنية ولا المحكمة من أخذ اتهامات المذنب مأخذ الجد، والتحقيق فيها، وتقديم من تثبت عليه التهمة لمحاكمة كهذه، بل أشد منها، لأن المحرِّض على الإرهاب؛ والمغرِّر بالشباب وصغار السن على الكفر بدولته، واغتيال أمير منطقة وضابط أمن فيها، وإشاعة الرعب والفوضى بين الناس، والبيعة لزعماء منظمات إرهابية وتقديم العون لهم.. هذا جرمه أكبر وأعظم وأخطر من جرم الأداة المستخدمة في التنفيذ، ومنهم هذا المذنب الذي تزعَّم خلية سرية إرهابية، بناءً على فتاوى وتحريض وتغرير من مشايخ دين كما قال في ورقتيه المعلن عنهما.
- منذ زمن بعيد؛ والكل ينادي بمتابعة ومحاسبة ومعاقبة مشايخ الفتنة، الذين يمتطون جواد الدعوة لتضليل الناس والتأليب على الدولة والمجتمع. ينادي ويطالب بكشفهم وفضحهم وتقديمهم لمحاكمات عادلة مثلهم مثل العناصر الإرهابية التي تتبع القاعدة وداعش والنصرة وخلافها، بل هم أشد خطرًا من هذه العناصر، لأنهم هم الأصل والمنبع لفكر الإرهاب، وهذه العناصر التي تظهر بين وقت وآخر؛ هم زرع وفرع عنهم لا أكثر.
- المتهم الأول في الخلية الإرهابية السرية؛ فجَّر قبل أسبوعين فقط؛ قنبلة من العيار الثقيل في المحكمة وقال: (مشايخ غرّروا بي)..! والمطلوب الآن بكل إلحاح؛ هو التحقيق الجاد في هذا القول (الاتهام)، وإعلام الجمهور بنتائج هذا التحقيق من منبر الناطق الأمني لوزارة الداخلية، الذي هو من أنشط وأفضل المنابر في كافة الجهات. من حقنا أن نعرف حقيقة هذا الادعاء؛ حتى يتوقف التغرير عن مواطنين آخرين خلاف المذنب زعيم الخلية.. هذا أولاً، وحتى ينتبه الآباء والأمهات لأبنائهم من مثل هؤلاء المغرّرين، وحتى يأخذ الوطن والمواطن حقه من أرباب التطرف والإرهاب، الذين يضمرون شرًا به، ويحيكون الدسائس ضده، ويحركون أدواتهم الإرهابية لتدميره.
- كثيرة هي العمليات الإرهابية التي نفذها عناصر ينتمون لجماعات ومنظمات إرهابية معروفة ومحظورة ومجرّمة محليًا ودوليًا. لقد قُتل على أيديهم أبرياء، وسُفكت دماء، وفُجّرت مجمعات ومؤسسات ودور عبادة في مناطق إدارية كثيرة، والإرهابيون الذين ينهضون بهذه الجرائم الوحشية؛ لا يخفون انتماءاتهم المذهبية والفقهية، ويدينون بالولاء لمشايخ في الداخل أو الخارج، أفتوهم، أو أوحوا لهم، أو حرّضوهم، وأقل القليل؛ أنهم تستروا عليهم، وقدّموا لهم الدعم المادي والمعنوي، وهذه حالة لا تحتاج إلى كثير من الذكاء لمعرفة أصل المشكل الذي وصل بنا إلى مجابهة الإرهاب والإرهابيين في الداخل والخارج. إذا عُرف السبب بطل العجب كما يقولون، والسبب الرئيسي في تشكيل الخلايا السرية؛ التي تقوم على مبدأ تكفير الدولة واستخدام العنف ضد مواطنيها ومؤسساتها؛ هو وجود فكر ديني مخاتل ومصادم في آن، يستخدم لغة دينية ناعمة، لاستقطاب المزيد من الشباب المحبطين والمأزومين نفسيًا، والموقوفين على خطاب ديني منفرد.
- من قصيدة نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي:
وَالشَرُّ؛ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ
ذَرعًا.. وَإِن تَلقَهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ