فهد بن أحمد الصالح
صدق من قال: إن العالم أصبح كقرية صغيرة في وقت مضى، وكيف به اليوم وقد أصبح العالم كله في جيبك ولا تتجاوز مساحته إحدى يديك، وأضحت منصات التواصل الاجتماعي تمثل وزارة إعلام مستقلة بذاتها أو قد تكون أبلغ ولها ولأهلها متابعين يتجاوزون ربما سكان دولة أو دول صغيرة مجتمعة، وأصبح المشاهير في هذا العقد من الزمن سواء في التويتر والسناب شات وغيرهما وفي وسائل التواصل الحديث جزءا رئيسيا مؤثرا في سياسات وقرارات دول ومغيرا لثقافة شعوب ومبادرا في سلوك عام أو خاص سلباً أو إيجاباً، وأصبح هذا سببا بعد توفيق الله للانتقال من حال الفقر لحال الغنى أو الثراء لبعض أهله ان صح التعبير، وكذلك هي في مجملها وسيلة رائعة لدعم العمل الخيري وتناميه، وكذلك إبراز تعاليم الاسلام السمحة والتعايش مع الشعوب الأخرى بما يفهمون بدلاً من المنصات التقليدية السابقة، واختصرت التكلفة في ذلك ربما إلى الصفر، وساهمت في سرعة نقل المعلومة خلال ثوان إلى أرجاء المعمورة وبلغات مختلفة.
والمقام هنا ليس ذكر لإيجابيات تلك المنصات لأن الجميع يعلمها ولا لإظهار سلبياتها لأن الجميع قد حذر منها ولكن هو الحديث عن المسؤولية الاجتماعية للمشاهير فيها لما لهم من متابعين وبما يطرح منهم، فبعض منهم أصبح قدوة لمن يتابعه، ولذا لسنا في حاجة أن نضخم الفكاهة أو السخرية ونصبح غير مسؤولين وبلا هدف أو قيمة مضافة حتى أصبح الكثير يتداول موقف الابن مع الأب وآخر يقول: إنه أصبح داعشيا ليقيس ردة فعل والده أو انه انضم للجهاد في اماكن محظورة ليساومه على العودة إلى الوطن أو يقول لوالدته انه أصبح مدمنا ليرى ويسمع توسلاتها وأنينها على فلذة كبدها، ولسنا كذلك ضد ابراز أطباق شهية أو لباس جديد وقصة شعر وزيارة لمعلم داخل البلاد وخارجها لأن هذا أصبح سلوكاً منتشرا وان كان لا يرضى العقلاء من الجنسين ولكنه أصبح ثقافة تواصلية يقضي عليها الناس ساعات طوال دون فائدة وأصبحت البيوت بلا أسرار والسلوكيات دون تحفظ وهذا لا شك ليس الغالب بفضل الله ولكنه موجود ومشاهد.
واليوم وفي ظل الآلاف من المشاهير والملايين من المتابعين هل لنا أن نغير بعض سلوكنا الرياضي وندعو عن طريقهم لنبذ التعصب الرياضي وما يصاحبه من عبث في الانفس والممتلكات، هل لنا بهم ان نغير في العبارات والأهازيج التي نسمعها في المدرجات ونقلل من لغة الاحتقان في التحليل الرياضي ليس على المستوى الرسمي وانما المجتمعي وإطاره الخاص، هل لنا ان نُسخر هذا الإعجاب وتلك المتابعة لزيادة الدفع بثقافة المسؤولية الاجتماعية في الاندية الرياضية وبين اللاعبين، هل لنا أن ننطلق بهم لبرامج خاصة تخدم عشرات من المحتاجين الرياضيين وذوي الاحتياجات الخاصة، هل نستطيع من خلالهم رفع الروح المعنوية لكل المشهد الرياضي وتكون رسائلهم داعمة للجهود التي تطمح لتحقيق أمجاد جديدة للرياضة السعودية، هل نستطيع من قاعدة المعجبين ان ندعو لتجذير جائزة اللعب النظيف والابتعاد عن الخشونة والمحافظة على اللاعب الماهر من الإصابة لخدمة وطنه بأطول عمر رياضي ممكن وهذا حق للوطن على اهله.
هذه أمثلة والطموحات أكبر في الاستفادة من شهرتهم ومتابعيهم بما يفيدهم ويؤكد فاعليتهم ويفيد الوطن والمجتمع الذي يسعده ان يكون المشهور فيه قد أصبح منتجاً وصاحب قيمة مضافة وله رسالة وهدف وطني واجتماعي، والسعي لاستثمار ما منَّ الله به عليه من محبة الآخرين له ومتابعتهم لجديده ليرتقي بهم لفضائل القول والعمل، خاصة ومشاهير التواصل في الغالب يتسمون بنضج التجربة وثقافة عامة كبيرة ويستطيعون تحقيق فاعلية أكبر وأنفع من المشاهير الذين يهتمون بالسخرية والنكتة وان كانوا كذلك قادرين بأسلوبهم أن يوصلوا رسائل رائعة يفهمها المتابع لهم وتحقق إيجابية مجتمعية في السلوك الرياضي الذي يحتاج من كل القادرين أن يسهموا في الارتقاء به، وعلى المنصات الإعلامية في القنوات الفضائية أن تغطي كل إيجابية يتقدم بها أحد المشاهير لكي نحدث تنافساً فيما بينهم وتكريم صاحب الأثر الأكبر والتفاعل الأكثر ولا نستثني من ذلك المشايخ والعلماء والكتاب والمفكرين الذين يتابعهم الملايين من المعجبين بفكرهم.
ختاماً حتى نكون أكثر إنصافاً فلربما قال هؤلاء المشاهير إننا نتشرف بذلك كله وأكثر ولكن لابد ان يكون الحديث تحت مظلة رسمية أما من لهم شأن بالإعلام أو من لهم شأن بالرياضة فكيف نضمن هذا التبني على المستوى الرسمي، ثم كيف لنا ان نستفيد من جمعية مسك الخيرية التي أقامت العديد من اللقاءات وورش العمل للمهتمين بوسائل التواصل الاجتماعي خاصة وانها فاعلة اجتماعياً، والاولى هنا بالإعلام الرسمي في هيئة الرياضة بحث وسيلة للتعاون وتوقيع مذكرة تفاهم أو اتفاقية مع جمعية مسك وتحديد منافعها وأسلوب التعاون بين طرفي العلاقة ليستفيد أطراف أخرى تمثل وطناً بكامله. ولا نشك مطلقاً ان الهيئة الرياضية يهمها ان يكون المشهد الرياضي بكامله مميزا وهذا يستلزم المزيد من الجهد والبحث عن العديد من الوسائل والاتفاقيات والشراكات سواء على المستوى الرسمي أو مع القطاع الخاص الذي يدعم مثل هذه التوجهات الوطنية أو القطاع الأهلي الذي يوجد فيه العديد من الجمعيات التي تعنى بمثل هذه التوعية المجتمعية.