د. محمد عبدالله العوين
بدأت مسيرتنا التعليمية المظفرة على المستوى الأكاديمي الجامعي مبكرة؛ ففي عام 1369هـ افتتحت كلية الشريعة بمكة المكرمة في عهد المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - ثم كلية المعلمين بمكة المكرمة في عام 1372هـ، ثم كلية الشريعة بالرياض 1373هـ وكلية اللغة العربية بالرياض أيضا 1374هـ، وانطلقت في بلادنا أول «جامعة» وهي جامعة الملك سعود 1377هـ، ثم توالى إنشاء الجامعات إلى اليوم حتى وصل عددها إلى 28 جامعة حكومية و 10 جامعات أهلية أو خاصة.
وقد بذلت الدولة - وفقها الله - جهدا كبيرا في وقت مبكر لتأسيس بنى ممتازة للتعليم في مستوياته المختلفة حسب الحاجة إلى التخصصات ورافق ذلك مسار آخر داعم للتعليم على مستوى أكاديمي بابتعاث آلاف الطلاب والدارسين إلى دول العالم، وحملت أجيال الخريجين القادمين من الابتعاث في مراحله الأولى المبكرة, وكذلك المتخرجون في الكليات والجامعات السعودية مهمة النهضة في المجالات كافة؛ القضائية والإدارية والتعليمية والصناعية والثقافية والإعلامية وغيرها.
ولو لم تتقد لدينا هذه الهمم العالية قيادة ومواطنين في ضرورة التعليم العالي في التخصصات التي تحتاجها البلاد لما استطعنا أن نتقدم ولا ننجز شيئا مما أنجزناه من نهضة خلال ستة وثمانين عاما.
وإن من الغريب العجيب أن يتحدث أحد المسئولين المعنيين بالتخطيط للتنمية وللاقتصاد بحديث لا يمكن أن يكون مقبولا ولا مقنعا حتى لو صدر من عامة الناس ؛ فكيف بمن يتصدى لوضع خطط للبناء والنهضة؟!
فقد رأى نائب وزير التخطيط في برنامج « الثامنة « أن الإكثار من الجامعات يدخل في باب الترف!
ولو أنه استدرك وقال : إن الإكثار من افتتاح جامعات تعنى بتخصصات لا يحتاج إليها المجتمع حاجة ماسة لتشبعه منها، أو لأن المجتمع اكتفى بالأعداد الكبيرة الهائلة التي تتخرج كل عام من كل جامعات المملكة دون أن تجد لها فرصة عمل، أو قال: إن الحاجة ماسة لافتتاح جامعات جديدة تعنى كل العناية بالصناعات العسكرية والمدنية والتقنية وعلوم الذرة والنووي والنانو والفضاء لكان نقده لمسألة التكثر من الجامعات في محله.
ولو أنه قال : إن الجامعات الناجحة المميزة تعتمد بعد فترة من تأسيسها على دخلها الخاص وتستغني عن دعم الدولة بما تملكه الجامعات المميزة الناجحة من ثروات كبيرة نمت وكبرت صارت تدر دخلا هائلا يعادل ميزانيات وزارات تعليم إن لم يكن دولا؛ كما هو شأن هارفارد أو كامبرج أو أكسفورد وغيرها؛ وأصل ثروة هذه الجامعات من تبرعات رجال الأعمال والأوقاف الخاصة التي تمنح للجامعات ثم تستثمر استثمارا ناجحا؛ لكانت وجهة نظره مقنعة ولم تثر لغطا واستنكارا.
لا يمكن أن تنهض أية أمة إلا بالتعليم النوعي الممتاز الذي يلبي حاجات الأوطان، ويا ليت أننا نتباهى ونتفاخر ونترف بافتتاح مائة جامعة ممتازة خير لنا من أن نتباهى بالتسابق في ما لا فائدة ولا جدوى منه.