هاني سالم مسهور
رغماً عن هشاشة «الهدنة» فإن الأجواء السياسية الغائمة تقبلت الحديث عن الحل السياسي في اليمن، فهذه واحدة من المفارقات اليمنية التي تستطيع الاستجابة للحل في ظروف غير صالحة للحل السياسي، العادة اليمنية تبقى خصلة من الصعب التنبؤ بها، وقد تكون الفرصة الحقيقية قد حانت لتضع الحرب أوزارها ويعود اليمنيون إلى الطاولة السياسية ليمارسوا ما اعتادوا عليه في الاصطفاف السياسي.
يتقاطع لبنان مع اليمن مع تأكيد أن اللبنانيين لا يحملون على اكتافهم بنادق الكلاشينكوف، غير أن ما تمثله وضعية الفرقاء السياسيين في البلدين تتشابه من نواحي كثيرة، وتبقى حالة «حزب الله» مع حركة «أنصار الله» نقطة التقاء بين البلدين الراسخة فيهما العروبة المتنازع عليها بعد التدخل الإيراني فيهما، نتطرق إلى لبنان في الحالة اليمنية من جهة الدفع السياسي الذي أحدثه سعد الحريري باختيار عون رئيساً مما أحدث إعادة تموضع لكل القوى اللبنانية التي تشبثت على مدار عامين ونصف في مواقفها السياسية.
في اليمن تبدو مواقف الأطراف اليمنية جميعها متصلبة منذ ما قبل المبادرة الخليجية التي جاءت لفض الاشتباك العسكري الذي شهدته صنعاء في العام 2011م، احتفظت كل القوى السياسية بمواقفها حتى وهي تنخرط على مدار عام كامل في مؤتمر الحوار الوطني، وكان على على هذه القوى السياسية أن تصل إلى نقطة الاختبار عند (الدستور) الجديد الذي عادت معه كل القوى لتتقاتل عسكرياً بمحاصرة الرئيس هادي ونائبه بحاح ويحصل لاحقاً الانقلاب السياسي في 21 سبتمبر 2014م.
المواقف السياسية المتشددة والمتضادة لم تتغير في الواقع السياسي، التحالفات المستحدثة بين فرع المؤتمر الشعبي العام والحوثيين لم يكن غير ضرورة اقتضتها الظروف السياسية التي كان سيفرضها الدستور الجديد، وكذلك كل القوى الأخرى التي وجدت نفسها خارج صنعاء الحراك الجنوبي لم يجد بُداً من اعتبار عدن خطاً أحمر يقاتل فيها دون غطاء سياسي يمني بعد أن وجد في المظلة العربية ما يستبدل بها إخفاقاته التاريخية، حزب الإصلاح كذلك وجد نفسه ضد خصومه التقليديين غير أنه لم يستطع إثبات جدارته في المعركة.
تدرك القوى اليمنية السياسية أن الحرب بالنسبة لها جميعاً هي مجال شاغر لممارسة الفوضى، وأنها جميعاً تهرب من الاستحقاقات السياسية عبر الاستقواء بمنطوقات الحرب، وهذا يُعيدنا إلى واحدة من أهم مسببات «عاصفة الحزم» حتى نتفهم مآلات الحل السياسي، فاليمن جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وما كان في مارس 2015م ليس هو اليوم فالمعطيات اختلفت وكذلك الوقائع القادمة تبدلت.
الخطة الأممية لم تخرج عن المرجعيات الأساسية الثلاث المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216، وهذا يعني أن الخطة الجديدة التي تقدمت بها الرباعية (أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات) تلتزم بتسليم السلاح والانسحاب وتشكيل حكومة وطنية في عمل تراتبي متزامن، وهذا يضع الجميع أمام التزام أولاً بعدم العرقلة ثانياً بمعرفة كل الأطراف السياسية في اليمن بموضعها الجديد في التشكيل المقبل لليمن وتبقى جهود الأمم المتحدة هي المراقبة على التنفيذ.
الأهم هو أن تكون السعودية بالذات حاضناً لكل اليمنيين فهي الأكثر قدرةً على جمع كافة الأطياف بإعادة ترتيب البيت اليمني، فالشروخات التي ضربت اليمن تستدعي من السعوديين أكثر من غيرهم لعب دور الأخ الأكبر كما عودتنا الذي يستطيع ترميم كل ما حصل من خلال العلاقة التاريخية بين السعودية كدولة وشعب مع اليمن، التعويل على الرياض في لعب دور سياسي جامع لليمنيين هو رهان يمني أولاً وأخيراً حيث تعرف الرياض بحصافة حكامها على الرجال الذين يمكنهم أن يساهموا في تحقيق السلام في اليمن ثم الانطلاق نحو تسويات سياسية لا يكون فيها للحوثيين الثُلث المُعطل كما حصل في لبنان .