هل حقاً غيّرت لجنة التحكيم بجائزة نوبل مسارها وخالفت دستور الجائزة في حقل الآداب ؟! وما سر التغيير ؟!
لم يكن فوز بوب ديلان صدمة، ففي هذا الوقت توقع كل شيء ! لكنها قطعاً مفاجأة غير سارّة للكتّاب والكتابة بأنواعها حيث أعطت مؤشرا سيئاً بضحالة كل عمل أدبي أمام صاحبه وسوء الظن قد يدخل حيّز التنفيذ بعبثية التحكيم في الجوائز الأخرى كالغنكور وغيرها ! هناك بالطبع شريحة كبيرة ممن سرّهم ذلك الفوز لأسباب عديدة سواء كان منها النضال الثوري لديلان من خلال أغانيه وكلماته أو من خلال الخط المغاير لأغاني البوب فهو أقرب إلى الكلاسيك الريفي والبلوز منه إلى الفوضى الموسيقية ! أو هو من محبي ومعجبي موسيقى الروك !
ظل بوب ديلان ينتظر الفوز أكثر من عقد من الزمن لكن لم يكن أحد يرى فيه صفة الأديب بكل أشكاله، فترشيحه جاءت كسابقة ظلت تتكرر كل عام كروتين لا أكثر ! والاستثناءات في الجائزة لا بأس بها إذا كان تشرشل والصحافية البلاروسية ألكسيفيتش من ضمن تلك الاستثناءات، حيث إن جلباب الجائزة تضيق واسعاً عليهما لأن تشرشل ليس له سوى ذلك الكتاب وهو عبارة عن مذكرات الحرب العالمية الثانية الذي فاز به بجانب كونه سياسيا وبالتالي ليس له إرث أدبي ترتكز عليه لجنة التحكيم في تسويغ الفوز والصحفية ظاهرة جديدة لم يسبقها أحد في الترشح لأن مجالها الصحفي له اتجاهه ومساره الإعلامي، ومع ذلك فهما أخفّ وطأة من الاتجاه الغنائي الذي لا يُعدُّ نوعاً من أنواع الأدب الجاد وإنما هو ترفيه عبثي حتى وإن كان له إسهام اجتماعي وثوري فإنَّ حيثيات منحه الجائزة لم تقنع الكثير من رواد الأدب ودارسيه، ومما زاد الطين بِلّة تركيزهم على أنه مغنٍّ أكثر من كاتب كلمات، وإن قالت سارة دانيوس الأمين العام الدائم لأكاديمية نوبل في المؤتمر الصحفي « إن ديلان خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن التراث الغنائي الأمريكي العظيم»، وهذا كلام مختلط وحتى يكون مقنعاً لم يذكروا الغناء فحسب وإنما جعلوا الشعر معه وإلا ليس هناك ثمة فرق بين ديلان ومغني الروك ويلي نلسون ! والحقيقة أن ترشيح بوب ديلان فيه نوع من المجاملة السخيفة ذلك لأن العتب الأمريكي في عدم الفوز قد طال انتظاره لأكثر من عقدين! لكن هل خلت الساحة الأمريكية من أدباء كبار حتى يتم ترشيح مغنٍّ وكاتب أغاني لجائزة كنوبل ؟! هناك من يرى خلاف ذلك وأن بوب ديلان يستحقها بجدارة لأنه كغيره من المناضلين الذين وقفوا أمام الظلم وعبّروا عن ذلك بأغانيهم وكلماتهم المتواضعة فهو كالروائي والشاعر والمؤرخ والمترجم ! ومع هذا كله ففوز ديلان علامة فارقة مزعجة قد تُذهب هيبة نوبل للآداب والتي ظلت مستعصية على علماء وأدباء مرموقين على مستوى عال من الفكر والأدب كانت إسهاماتهم حياة لآداب ولغات أمم الكرة الأرضية، فهل تعي لجنة التحكيم في الأكاديمية الموقرة ذلك ويكون ديلان ليس إلا أحد الاستثناءات ؟ قد يكون وقد لا يكون !!.
- زياد السبيت