محمد عبد الرزاق القشعمي
كنت برفقة الأستاذ فهد بن علي العريفي عند تكريمه باثنينية عبدالمقصود خوجة بجدة في 4/1/1423هـ الموافق 18/3/2002م، وكان حريصاً على مقابلة أستاذه العرفج والذي تلقى على يديه مفاتيح العلوم والمعرفة في المدرسة السعودية الأولى بحائل نهاية العقد الخامس من القرن الماضي الهجري، وكنت وقتها استغل فرصة لقاء مثل هذا الرجل لأسجل معه شيئاً من ذكرياته واستعراض لسيرته الذاتية ووجدتها فرصة للتحدث معه وتسجيل شيء من سيرته الذاتية لمكتبة الملك فهد الوطنية ضمن برنامج (التاريخ الشفهي للمملكة) وكانت زيارتنا له في الصباح الباكر لتناول طعام الإفطار والتوجه للمطار، حيث المغادرة قبيل الظهر إلى الرياض.
وجدنا مضيفنا (العرفج) في حديقة منزله تحت ظل نخلة وبجوارها فراشه وقد لفه، وبالجانب الآخر المشب (الوجار) وقد أشعل النار ووضع دلة القهوة وإبريق الشاي، ودفن قرص (الجمر) بكومة رمل ملتهبة، وتذكر مع العريفي فترة تدريسه بحائل عن افتتاح المدرسة السعودية الأولى هناك إذ كان العرفج من أوائل المدرسين السعوديين والذي استفاد من مرافقته لشقيقه الذي يكبره والذي عمل في القريات في المبرقات بعيد توحيد المملكة، ومن هناك انتقل عبدالله العرفج للتدريس بحائل ثم عنيزة.
ويذكر أن مدير عام المعارف (محمد طاهر الدباغ) قد استدعاه حوالي عام 1363هـ/1944م لينتدب لافتتاح أول مدرسة ابتدائية بالرس.
وقال إنه بعد مقابلته للدباغ طلب منه استئجار سيارة نقل كبيرة لتحمل مستلزمات مدرسة الرس من مقاعد وكراس وسبورات ومفارش وغيرها، وقد وجه المستودع بتجهيز اللازم، وعند مراجعة العرفج في صباح اليوم التالي للمستودع وجده مقفلا إذ لم يحضر المسؤولون عنه بعد، فجلس عند أحد أصحاب الدكاكين منتظرا افتتاح المستودع وبالصدفة جاء مدير عام المعارف (الدباغ) ماشيا على قدميه في طريقه لعمله وإذا بالعرفج جالس بمدخل الحانوت، فاستفسر منه سبب ذلك وعندما عرف أن المستودع لم يفتح بعد طلب من صاحب الدكان مطرقة (شاكوش) فأخذها وكسر القفل وطلب من صاحب السيارة أن يوقفها بالباب لتحميل الأثاث المصروف للمدرسة المذكورة.
وتطرق إلى فترات عمله التربوي الذي انتهى به إلى جدة حيث تقاعد قبل سنوات. وذكر أنه لا يدخل داخل المنزل (الفلة) إلا نادرا (تجنبا لمكيف الهواء) إذ يعيش تحت ظل هذه النخلة صيفا وشتاء ويستقبل ضيوفه دائما تحتها ويتقارض معهم الشعر.
وعندما يصادف زيارته لمسقط رأسه (عنيزة) أيام عيد الأضحى يكتب لوحة على باب منزله تحمل بيتين أو ثلاثة من الشعر الشعبي يذكر فيها أن من سيحضر بطعمة من لحم العيد عليه تسليمها لجاره فلان. وهكذا يعود وبانتظاره ما يتبادله الجيران والمعارف.
ونجد الشيخ محمد العبودي يذكره ويمتدحه عند زيارته للرس للإشراف على امتحان الشهادة الابتدائية فنجده يقول في كتابه (سبعون عاماً في الوظيفة الحكومية) إنه تلقى من المدير العام للمعارف الشيخ محمد بن مانع تكليفاً رسمياً بالإشراف على الامتحانات النهائية التي هي الشهادة الابتدائية في مدرسة الرس هو وزميله محمد الخضر مدير مدرسة قصر ابن عقيل، وأنهم سافرا بسيارة البريد يوم الجمعة 11/11/1369هـ - لعدم وجود سيارة وقتها تذهب للرس - وصباح السبت دخلوا إلى مدير مدرسة الرس الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن العرفج الذي هلّل ورحب بهم، وأنهم كانوا يخرجون معه عصر كل يوم للنخيل، وقال إنهم قد أمضو الوقت بسرور ومتعة بفضل دعابة ومرح مدير المدرسة العرفج وفكاهته العذبة وخفة روحه النادرة المثيل. وكلما حاولوا السفر بعد نهاية الامتحان مانع وأقسم عليهم بالبقاء بدعوى أن بعض الأساتذة لم يسددوا ما عليهم لكم، فأخذوا يتغدون عند واحد ويتعشون عند الآخر وحتى القاضي وأمير الرس كان لهم نصيب، وأن مدير المدرسة قد ترك أعماله وتفرغ لمرافقتهم.
وكما يتضح مما نشر في مجلة (المنهل) انه في عام 1373هـ قد أصبح مديراً لمدرسة عنيزة الفيصلية من خلال ما نشرته له ففي عدد شهر صفر 1373هـ تنشر له كلمة وقصيدة القيت أمام مدير المعارف العام في حفل المدرسة بعنيزة.
وفي عدد ربيع الأول 1373هـ تنشر له موضوع (مدينة عنيزة تبايع جلالة الملك سعود)( ) ونجد (موسوعة تاريخ التعليم) تذكر أنه من مواليد 1340هـ/ 1921م وأنه تلقى تعليمه صغيراً بمدرسة عنيزة الأهلية، وتخرج فيها، ودرس على مشايخ وعلماء عصره بحائل الفقه والنحو والصرف والأدب والفرائض. عمل بالتدريس في مدرسة حائل السعودية، ثم رجع إلى عنيزة ليعمل مساعداً لمدير المدرسة السعودية الابتدائية. وأرسل إلى الرس لافتتاح مدرسة ابتدائية بها، كما رشح مديراً للتعليم بمنطقة وادي الدواسر، واعتذر لظروفه، فرشح مفتشاً إدارياً في إدارة تعليم جدة.
ومن آثاره - شارك مع لجان المسح في افتتاح المدارس ببعض المناطق مثل القنفذة، والليث، وغيرها في القرى وتجمعات القبائل وباشر فتح خمسين بالمائة من هذه المدارس - له مشاركات وكتابات في المجلات والصحف والدوريات وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة.
وقد أحسن مركز صالح بن صالح الاجتماعي بعنيزة صنعاً إذ كرمه بعد بلوغه التسعين من عمره في المهرجان الثقافي الثاني عام 1430هـ/ 2009م وطبع ديوان شعر له تحت عنوان: (الصريح من الشعر العامي والفصيح) وقدم له الشاعر إبراهيم منصور الشوشان، قال إنه أمضى في التعليم ستين عاماً وأنه يحسن النكتة والمداعبة ورصد الحركات برسم صورة كريكاتورية هزلية. وقد قسم الديوان إلى قسمين: الشعر الفصيح والشعر الشعبي أو الشعر بلهجة العامة. منها 27 قصيدة فصحى وضعفها من الشعر الشعبي. وذكر في ترجمته أنه تقاعد من العمل عام 1405هـ.