يقول الفيلسوف الألماني مارتين هيدجير: «لتكون إنسانا يجب أن تعرف مكانك». إن الحديث عن المكان في هذا السياق لا يعني المساحة كجغرافيا مجردة، لكنه كما تصفه الكاتبة الأمريكية بيل هوكس: «هو خلق للمعاني». كيف نخلق معنا خاص نعيشه؟ وكيف نصنع من المكان مكانا خاصا بنا، ننتمي له؟ كيف نخلق مكانا يعكس أرواحنا، يكون امتدادا لذواتنا. قد يسأل أحدهم: لم المكان؟ ما الذي يمنح المكان كل هذه الأهمية؟ إن ما يمنح جغرافيا محددة أهمية معينة، هو أنه عندما نخلق تلك المعاني نكون بذلك صنعنا حيزا يمثلنا، يلهمنا. حيز يشكل أعلى درجات الشفافية حيث نجعل من أنفسنا مساحة يكتشفها الآخرون.
عندما كتبت راكويل تايبول عن غرفة فريدا كالو، قالت لا يمكن لأحد أن يدخل هذه الغرفة ويتجنب ذلك الشعور العارم بالحزن. إن الأماكن هي أقرب الأشياء لطبيعة الإنسان، فهي قادرة على أن تنتحل قدسية ما، لشخص ما، وأن تحمل خطيئة لآخر، أن تكون مدنسة (مجازا وواقعا)، وأن تكون مركز طهر وتطهير لآخر. إن للأماكن قدرة على خلق مشاعر فينا، مشاعر من الفرح، أو الحزن كما هو الحال مع غرفة نوم فريدا كالو. إن للأماكن (كأشياء مجردة من الحياة)، قدرة على أن تكون مليئة بالحياة، أو أن تكون صامتة كصمت القبور.
في تحليل لكورمان للمكان يقول إن ما يميز المكان عن اللا مكان هو: الموقع، وتفاعل الطبيعة مع الثقافة، وأخيرا قدرة المكان على حمل بعد تاريخي. إن فهمنا لطبيعة المكان (بيئيا وثقافيا) يخلق ما يسمى بروح المكان. هذه القدرة على التفرد بين مكان لآخر لا يمكن نسخه حتى بمساعدة آلة ضخمة كإيكيا يمكنها صنع الملايين من وحدات الأثاث المتطابق. إن هذه الأبعاد الثلاثة: الطبيعة، الثقافة والتاريخ هي ما يمنح المكان هويته، «فالروح» التي تكتنف بيت لويس براقاس في مكسيكو سيتي أو بيت تقليدي في المحرق مثلا، ما هي إلا نتيجة تفاعل تلك الأبعاد الثلاثة.
في محاولة فهم الذاكرة، نجد أن ذاكرتنا هي سلسلة من الأحداث والأماكن، لذا من الوارد جدا أن تحمل نفس الرقعة الجغرافية معان مختلفة بالنسبة لنا. إن معرفتنا بمكان ما تخلق فينا مشاعر أكثر تعقيدا من أن تختزل بأوصاف كفسيح أو ضيق، مضيء أو معتم، أو حتى بنجوم نمنح فيها مكان معين أربع أو ثلاثة نجمات من خمسة. في أحد البرامج التي تبحث عن ما تسميه أكثر المنازل إثارة، يعرض البرنامج رجل أوروبي قرر أن يبني منزلا في وسط صحراء نيفادا. كامرأة من الصحراء لم أتمكن من رؤية «جمال» ذلك المكان حتى لو بدت الصحراء مفعمة بالرومانسية من خلف الزجاج في داخل ذلك المنزل. بالنسبة لي لا أعتقد أن ذلك الأوروبي يمتلك معرفة بالصحراء أكثر من البدوي الذي اختار ألا يكون له مستقر في تلك الجغرافيا، وأن يتقن الرحيل. مرة أخرى كامرأة من الصحراء لم تسكن البادية أبدا كنت دائما وما زلت متوجسة من تلك المساحة اللانهائية من الرمل. أعرف الصحراء كجغرافيا أمر بها، وقد تمر بي دون أن ينتبه أحدنا للآخر، لكنني لا أعرفها كفاية لا أثق بها، لأجعلها بيتا لي، لأطلق عليها جغرافيتي الخاصة التي أنتمي إليها.
- أروى الحضيف