إنّا إذا اشتدَّ الزما
نُ وناب خَطْبٌ وادْلَهَمْ
ألفيتَ حولَ بيوتنا
عُدَدَ الشجاعة والكرمْ
للِقا العِدا بيض السيو
ف وللندى حُمْرُ النَّعَمْ
هذا وهذا دأْبُنا
يودى دمٌ ويُراق دَمْ
لا أعرف سِرَّ ترديد ذاكرتي خلال هذه الأيام أبيات أبي فراس الحمداني السالفة، التي كانت مقررة علينا حفظًا - قبل أربعة وعشرين عامًا - في مادة النصوص الأدبية للمرحلة الأولى المتوسطة في المعهد العلمي! لكن الذي أعرفه أن ذاكرة الطالب تختزن - غالبًا - ما تحفظه في مراحل تعلُّمه الأولى بخاصة.
كان مُقَرَّر النصوص الأدبية آنذاك يضم بين دفَّتَيْه نصوصًا تراثية تنضح جزالةً وتنفح جمالاً، حَفِظْناها وما لَفِظْناها، وإنما نُقِش الكثير منها في الأذهان، وطُبِع على اللسان، وربما فاض من البَنان.
من هنا ندرك أهمية انتقاء النصوص الأدبية العالية لغةً وفنًّا، التي تزوِّد مَلَكة الطالب، وتوطِّد قواعد بنائه اللغوي. وإني لأعجب ممن يهوّن من شأن هذا في العملية التعليمية! بدعوى أن الطالب لا يحفظ ما يُكرَه عليه وما يُلزم به، وإن حَفِظه خوفًا فسرعان ما ينساه، وهذا غير صحيح على إطلاقه؛ فنحن لم ندرك يومئذ جمال ما كان مقرَّرًا علينا حفظه من تلك النصوص الباذخة، وربما كان الدافع لنا في حفظها الخوف من العقاب، وها هي ما زالت عالقة في الذاكرة نستعيدها ونترنَّم بها بين فينة وأخرى بعد أن كَبُر إداركنا، ووَعَيْْنا حسنَها وجمالَها.
إن مسؤولية واضعي المناهج التعليمية عظيمة، لا سيما المناهج التعليمية للمراحل الأولى، فينبغي أن يكون هدفهم بناء تعليم الطالب بناءً قويًّا متينًا من الناحية الدينية واللغوية خاصة، ومن النواحي العلمية والمعرفية الأخرى عامة؛ لئلا تصاب سواعد بناء الأمة بهشاشة العلم والمعرفة؛ فيؤثر ذلك على الأمة جمعاء.
- فهد بن علي العبودي