الإشكال الأكبر للدين هو العلم التجريبي البحت و ليس الفلسفة؛ فالفلسفة في كثير من فتراتها كانت مناصرة للدين منذ الفلسفة اليونانية القديمة حتى الفلسفة العربية الإسلامية مع ابن رشد و الغزالي و ابن سينا وغيرهم؛ وكذلك في واقعنا المعاصر مع فلسفات مابعد الحداثة التي أعادت للدين مجاله في التفلسف؛ ونرى ذلك بوضوح مع هابرماس في فلسفته حول الدين في المجال العام.
فلسفة الدين تبحث في الدين من منظور فلسفي؛ بمعنى أنها تنظر للعالم من خلال أسئلة الفلسفة الكبرى معتمدة على الدين؛ وذلك في محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة كما عند ابن رشد؛ أو في إثبات وجود الإله كما عند اسبينوزا .
لكن الدين يقع في إشكال كبير جدًا حينما يتماس مع العلم التجريبي بكل أنواعه البيولوجيه و الفيزيائية و الكونية؛ فإشكالات الدين مع الميتافيزيقيا أكثر منها مع الفيزيقي؛ لأن الفيزيقي متعدد و قياساته و تحليلاته الفلسفية متعددة بحسب براهينها؛ لكن الميتافيزيقيا ليس لها براهين ظاهرة؛ فلذلك التجريبي لا يؤمن بها باعتبار منهجه التجريبي البحت الذي يستمد منه معارفه، بيْد أن التفلسف القائم على العقلانية حارَ كثيرًا و ساحَ في عالم الإلهيات محاولًا النفي تارة و الإثبات تارة أخرى لأنه قائم على التفلسف البحت و ليس على التجريب الحسي؛ و التجريب لا يمكن أن يكون على ما هو ميتافيزيقي؛ لأن الماورائي قائم على الإيمان و ليس على التجريب؛ وهذا ما دعا الكثير من فلاسفة الدين سواء في الإسلام كابن رشد وغيره أن يؤولوا
ويحللوا مفهوم الإله باعتباره (نورا) كما عند ابن رشد، أو ب(وحدة الوجود) كما عند اسبينوزا.
وقد نكون في مرحلة تاريخية مهمة جدًا للبحث في فلسفة الدين؛ و الانطلاق من مشتركاته مع الفكر الكوني للبشرية، ومحاولة تخفيف حدة الصراع معه حتى و إن كان المتفلسف لا يؤمن به؛ لأنه سيتحتم عليه أن يتعامل معه كثقافة يدرسها من منظور فلسفي؛ فالكثير جدًا من حياتنا الواقعية لا تخالف الدين بمفهومه العام و ليس الخاص في أيديولوجيا محددة؛ و لعل هذا ما حثّ هابرماس لإتاحة المساحة للدين في المجال العام وليس تنحيته كما كان من الشيوعية مثلا في مرحلة ازدهارها. وهذه المرحلة تفتح لنا كوّة شاسعة نحو فلسفة الدين لتخليصه من التأويلات التي تؤمن بالعنف و بالخصوص حينما تختلط بالسلطة؛ لأن السلطة تحاول جاهدة في تاريخها أن تعتمد على الثقافة الغالبة لتدعم قوتها؛ والثقافة الغالبة في كثير من العصور و بالخصوص في العصور القديمة هي الدين.
إننا حينما نبحث في فلسفة الدين فنحن نبحث في تماس العقل البشري مع ما يعتقده من قدسية النصوص الإلهية؛ و هذا التماس سيخضع أيضا لما أنتجه العقل البشري من تفلسف في ماهية الفلسفة وكيف يتفلسف الإنسان، وفي تعددية المناهج التي قامت عليها الفلسفة في تاريخها، فالتفلسف هنا (من الإنسان عبر الإلهيات حتى الإنسان) ؛ فهو منه و إليه، وهذا ما يريده الدين حينما يبقي للبشرية نصوصًا فقط حتى ينتجوا هم فلسفتهم بذاتهم؛ و لم يبقِ لهم ملائكة أو رسلًا على مر الزمان.
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @