توقفنا الأسبوع الماضي عند جماليات الصورة في قصيدة (ياهند) للشاعر فرحان العنزي عند قوله:
يا ليّ يا نفخة هل الكِبر يا ليّ
ما هزت أطرافي تماثيل الأزلام
أقفي عن الدنيا وأناظر بها شويّ
ولا شفت وجهك ردني شوق وهيام
شفت البروق وقلت معقول أنا حي؟
معقول أنا عايش وأنا ميت العام؟!
فركت عيني يوم طالعت للضيّ
ورديت ما بالذاكرة مثل الأفلام
حكّيت رأسي ثم صفقت بيديّ
ولقيتني عايش وميت بالأوهام
قد يقصد الشاعر بلفظة (لي) هنا الدعاء على الشيء وهي دعوة دارجة في العامية مأخوذة من ( لواه فالتوي) من الميل والاضطراب وقد تأتي بمعني (الحبس) فهي دعوة على (انتفاخة المتكبرين المزيفة) بحبس الله لها عن الناس حتى لاتنتشر بينهم هذه الصفة الذميمة.
في قوله: (ماهزت اطرافي) صورة حركية لنفي فعل ما، عن طريق تجسيد ألفاظ نقيضه (الارتجاف، وعدم الارتجاف)، فهو لا يخشى أولئك المتغطرسون المدعون الرجولة وهي منهم بريئة، فهي لم تهز اطرافه فكيف بقناعاته؟!
أقفي عن الدنيا وأناظر بها شويّ
ولا شفت وجهك ردني شوق وهيام
شفت البروق وقلت معقول أنا حي؟
معقول أنا عايش وأنا ميت العام؟!
فركت عيني يوم طالعت للضيّ
ورديت ما بالذاكرة مثل الأفلام
حكّيت رأسي ثم صفقت بيديّ
ولقيتني عايش وميت بالأوهام
مازال حديثه مع هند التي يأنس بترداد اسمها لكنه هذه المرة أضمره ولم يظهره ربما تحاشيا للتكرار؛ لأن الشاعر لديه حساسية تجاه ألفاظه وصوره وربما لأن ماسيتحدث عنه هو مضمر في داخله لهذه الهند الغالية فبدأ معها خطاب المشاعر الداخلي فرجل بقوته وقيمه سيتحدث بعاطفة دون أن يفقد هيبته. إنه يحدث (هنده) عن عزوفه عن الحياة وزهده فيها حتى إذا ما (شافها) وهي لفظة فصيحة بمعنى (نظر وتجلى له الأمر) أعادته ملامحها للحياة وحبها.
(شفت البروق) عندما نظر لابتسامتها التي كنّا عنها بالبروق كناية عن لمعان بياض أسنانها( ربما قصد بهذا الوصف الرمز للأنثى) أزهرت في روحه الحياة.
وهذا ما تفعله رؤية من نحبهم في حياتنا، إنهم يعيدون لنا ترتيب السعادة؛ لذلك تعجب أنه مازال يمتلك قلبا يشعر بالأحبة وهومن عام مضى( ربما هو الفترة الزمنية التي تولد فيها حزنه واغترابه)، قد فقد الشعور بمباهج الحياة حد الشعور بأنه خارج إطار الزمن الذي تدور فيه الحياة.
ظل شاعرنا مأخوذا بدبيب الحياة في جوفه بصورة تصف المشهد وكأنه مشاهد أمامنا فهذه الصورة الحركية من السهل تخيلها ورسم معالمها وهو يفرك عينه ليرى هل هو في حلم أم علم، فأعادت ذاكرته تفاصيل الأحداث قبل أن يتملكه الحزن ويوهمه بأنه انتهى، وعندما اكتشف أنه في علم؛ صفق بيده دهشة بعد أن حك رأسه كناية عن الحيرة؛ ليوقظ الوعي حتى يصل لنتيجة فتكون النتيجة (ولقيتني عايش وميت بالأوهام)
لقد أدرك بأنه لم يمت أصلا، وإنما أوهامه من اقنعته بذلك، وفي هذا كناية عن تلبس الحزن له حتى توهم بأنه ميت وهذا ما يظهره لنا الطباق بين العيش والموت بصيغة اسم الفاعل الدالة على الثبات.
إلى هنا نقف على أمل بأن نكمل آخر جزء في القصيدة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
- د. زكية بنت محمد العتيبي
zakyah11@gmail.com