أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: في أوقاتٍ من النشاط البدني، والحيوية الفكرية، وسعة الصدر: عنيت باستيعاب ما أقدر على جمعه من الكتب والمقالات عن أدبيات الهيضة الثانية على أمتنا العربية والإسلامية في العصر الحديث ابتداءً بسقوط الماركسية التي كانت هي البداية لتخطيط ابتلاع العراق؛ وكانت الهيضة الأولى هيضة (نابليون)؛ ومن ورائه دهاة (وعد بلفور) من أمثال (كرومر).. لقد كلفت نفسي وجيبي (على الرغم من قلة ذات اليد) بشرائي كل ما قدرت على اقتنائه مما قذفت به المطابع بلغتنا العربية عن الزحف العدواني على أمتنا منذ بداية الهيضة الثانية.. وليس هذا وحسب؛ بل كلفت نفسي شراء واقتناء ما طبع من مقالاتٍ كثيرةٍ بلغاتٍ أجنبيةٍ، وكتبٍ أقل، ثم عهدت بترجمتها على حسابي؛ فاستفدت من الترجمات، ولم تتح لي الفرص لنشرها.
قال أبو عبدالرحمن: ولقد حوقل بعض أحبابي من كل صنيعي؛ لأنني في عافيةً من كل تلك الأعباء التي لا أستطيع استيعابها في حسبانهم.. وبحمد الله نشرت كثيراً من ذلك فيما ينيف على عشر حلقات مطولةٍ تستغرق أكثر من صفحةٍ من صفحات هذه الجريدة عن (الربيع العربي) !!.. ومن تلك المصادر (مشروع الشرق الأوسط الكبير) لـ (مجدي صلاح)، وكتاب (الوثائق التآمرية على الدول العربية والإسلامية) للأستاذ محمد بن عبدالله الإمام، وقيمة هذا الكتاب في احتوائه النقل عن بعض المصادر لا في كثيرٍ من تحليلاته.. ومن أبجديات الهيضة الثانية: هذا النص بلسانٍ صهيونيٍ أمريكيٍ معاً: ((سيكون الشرق الأوسط بخبراتٍ صهيونيةٍ، وذكاءٍ صهيونيٍ، وخاماتٍ وسواعد عربية)).. أي ستكون هوية الشرق الأوسط ما هو عليه اليوم من واقعٍ لا يحسد عليه من يصفهم الغزاة بـ (غزلان الصحراء) منذ بداية (الربيع العربي).. أي منذ (محمد بوعزيزي)؛ وهو تونسيٍ أحرق نفسه في بداية شهر ربيع الأول عام 1432هـ احتجاجاً على السلطة؛ ليبدأ القضاء على الحكام الطغاة؛ فكان الواقع من جراء ذلك هو الأظلم الأطغى في تونس وليبيا والعراق وسوريا والجزائر ومصر واليمن.. إلخ؛ فكل ذلك هو الربيع العربي.
قال أبو عبدالرحمن: الشرق الأوسط هو قلب العالم العربي والإسلامي، وفيه العراق المبتلعة، وسوريا المفيدة؛ ومسلموها وعربها الأقحاح يواجهون قدراً كونياً؛ وهذا القدر هو ما قضت به إرادة الله سبحانه وتعالى من كون أسلحة الدمار من إنتاج وملك أعداء الملة والشرائع والأخلاق، وقد نزعت الرحمة من قلوبهم؛ فأهلكوا الحرث والنسل، وأظهروا الفساد في البر والبحر والجو.. وأما غزلان الصحراء فهم من أراد الله أن يكون منهم مئةٌ يغلبون ألفين؛ ولكنه سبحانه وتعالى رحمهم بأن يكون منهم مئةٌ يغلبون مئتين.. ثم رحمهم الله؛ فأعانهم في الفتوح الإسلامية التي كانت لتحرير البلاد والعباد من الظلم، واقتراف ما فيه هلاكهم دنياً وآخرة كما في مواجهة جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه؛ (وهو ثلاثون ألف فارسٍ) ثلاثمئة ألفٍ؛ فكان النصر حليفه وإن كان لقي ربه شهيداً؛ وكان وراءه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الذي أبى إمداد أبي عبيدة بزيادة من الجيش، وحثه على مصابرة العدو بمن معه، وبين له أن المسلمين لا ينصرون بكثرة، ولا يخذلون من قلةٍ، وأن النصر من عند الله.. هذا هو الواقع لمن يصفهم الأعداء بغزلان الصحراء، وهذا هو الواقع للغزاة الذين ينتصرون بطائرةٍ بلا طيار، ومن الاختفاء وراء جدرٍ وبأسهم بينهم شديد.. ومن أهداف هذا البحث تفسير هذا الابتلاء من الخطاب الشرعي الكريم، ومن واقع جمهور أمتنا العربية والإسلامية؛ (وهو واقعٌ مريرٌ قبيح) قبل ابتلاء الله إياهم، وأن العقبى للإسلام وأهله بعد الابتلاء وصدق الإنابة.
قال أبو عبدالرحمن: مشروع (إيجاد الشرق الأوسط): يعني إيجاده بصفته الآن؛ وذلك بأن يكون بكل إمكانياته مصالح أمريكية صهيونيةٍ وشعوبٍ أخرى؛ وليس هو مسألة قيمٍ أمريكيةٍ، وليس هو تدعيماً لحقوق الإنسان ؟!.. وليست القيم في الواقع إلا من ملة الله الواحدة وشرائعه، ومشاعر القلب الرحيم.
قال أبو عبدالرحمن: اتجاه الأمم كلها منذ ذرأ الله البشرية في المعمورة تدور حول جدليةٍ واحدةٍ لا ثانية لها بين المبدإ الأيديولوجي والمبدإ التحليلي النفعي، ولا ثالث لذينك أيضاً، ولا يضير هذه الحقيقة الحاصرة: أن هذه المصطلحات غير موجودةٍ أول الأمر؛ لأن معاني المصطلحات موجودةٌ وإن لم يوجد الاصطلاح؛فنحن نسمي في لغتنا المفعول المطلق، والمفعول لأجله، والمصدر، والماء الطاهر في نفسه غير المطهر غيره؛ فكل ذلك وأمثاله اصطلاحاتٌ حادثةٌ على معاني سابقةٍ؛ فالعبرة إذن بوجود المعنى.. وأبدأ الآن بمسألة (أزمة الخطاب)؛ فقد نشرت لي هذه الجريدة كثيراً عن تلك الأزمة؛ ومن ذلك على سبيل المثال أن تسمية جيش بشار الجحش من النصيرية الباطنية الملحدة، والرافضة الباطنية، ومجوس إيران: ليست هي جيش الجحش النظامي؛ بل الجيش النظامي هو الجيش الحر الثائر على الظلم والكفر والسعي في الأرض فساداً؛ فإصرار الجيش الحر على وصف جيش الجحش بالجيش النظامي هزيمةٌ مؤلمةٌ في الخطاب العربي.. ثم اطلعت على مقابلة مليحة أجرتها هذه الجريدة في العدد (16073) بتاريخ 28-12-1437هـ ص 26 بإعداد (منير الحافي) مع المحامي (روجيه أدة) رئيس (حزب السلام)؛وكانت بعنوان (التدخل في سوريا منسقٌ مع إسرائيل وإدارة أوباما)؛ ومن العناوين الرئيسية [والرئيسة بدون ياءٍ بعد السين إنما تكون لعنصر واحدٍ رئيسٍ لا يفتقر إلى غيره]: ((السعودية هي القيادة الإقليمية العربية التي يعول عليها [بعد الله] لمنع وحسم انتشار فتنة الشام ومشروع إيران))؛ وهذا هو الواقع؛ولكن دولتنا لا تعلن عن دعمها الخفي؛ ولقد سرني قوله: ((ضروري أن نميز بين تعبير (النظام) الذي هو بمفهومنا بشار الأسد؛ [ بل هو الجحش كما سماه أهله وأهل البلد التي بليت بقدومه؛ وأما الأسدية فهي اختراعٌ فرنسيٌ] وجماعته المصنفون دولياً مجرمي حرب، ومجرمين ضد الإنسانية.. وبين نظام الدولة السورية المعترف بها دولياً التي يتمنى النظام الدولي إنقاذها من التفتيت والمزيد من المآسي الإنسانية التي [التي فضول؛والصواب: ويريد] يريد بناء جيشها وتوحيده مع الجيش الحر والفصائل المقاتلة باستثناء داعش المنبوذة دولياً وعربياً وإسلامياً.. مثلها مثل سائر أدوات إيران الزارعة لبذور الفتنة عبر كل من تمد [الأفصح: تمده] بالمال وبالدعم اللوجستي والتوجيه والتنسيق من دون تمييز بين شيعة وسنة وشبيحة من شتى الطوائف والمذاهب)).
قال أبو عبدالرحمن: لم يكن حكم بشار الجحش وأبيه في أي يومٍ ما شرعياً؛بل كان اغتصاباً، وبدعمٍ من الخارج، وبلباس حزب البعث؛ وكلاهما شرٌ؛ فكيف يكون ذا جيش نظامي.. وهذا ما كنت أذكر به دائماً.. ومن الخطاب العربي المهزوم تعليقهم على القنابل الارتجاجية التي تحفر أعماق الأرض؛فتقتل مئات الأطفال والعجائز والشيوخ؛ويعجز الحصر من كان في الأنقاض؛فيقول الخطاب العربي: (( هذه جرائم قد ترقى إلى جرائم حرب))؛وهم لا يستعملون (قد) بمعنى التحقيق؛ وإنما يستعملونها بمعنى التقليل والاحتمال الضعيف البعيد !!.. فيا ليت شعري أي جريمة حربٍ ستكون فوق ذلك ؟!.. واطلعت على كلمةٍ للأستاذ (غازي دحمان)؛ وهو كاتب سوري بعنوان: ( أميركا كعنصر في نكبة السوريين)؛والصواب (بصفتها عنصراً)؛وقد نشرت بجريدة الحياة ص11 بالعدد (19536) بتاريخ 27-12-1437هـ؛ وهي مشحونةٍ بهزيمة الخطاب العربي؛ فلعله يكون لي بعض الوقفات مع أمثال هذا الخطاب المهزوم، والمهم ههنا: أن الوفاق أو الافتراق بين أمريكا وغيرها حول الظلم الفادح لسوريا والسوريين ما كانا إلا من أجل المنافع التحليلية للطرفين في أرض سوريا المفيدة، ولن تدمع لواحدٍ منهم عينٌ، أو تهتز شعرةٌ من جراء الظلم الفادح المدمي الجبلة البشرية؛ فكأنهم مسخٌ آخر غير البشر؛ وإلى لقاء مع بقايا من بعض هذه الأشجان إن شاء الله تعالى، والله المستعان.