د. خيرية السقاف
نجح السواد الأعظم من السعوديين في شغل وظيفة مراقب, وما تتطلب من «الملاحقة» نظير المتابعة في مصطلحها الإداري,
هكذا تكشف النتائج الملموسة في استخدامهم لمواقع التواصل إن كان ثمة ما يجعلها شاهداً ودليلاً، وإن كان ثمة ما يؤكد أحقية الكل للوصول إلى هذه النتيجة..
هؤلاء الرقباء المتتبعون الكاشفون عن كل المخبوء, والهاتكون لكل المسكوت عنه من حيث المنطق فإنّ حريتهم مكفولة بصدق ما يكشفون, وبضرورة تقيُّدهم بالحقائق عما يتناولون,
لكن, هل جميعهم في داخل مواقع أعمالهم يطبقون المراقبة في مراقبة أنفسهم, ومتابعة أعمالهم, وملاحقة قصورهم, وردع تهاونهم, وكبح تسويفهم؟!..
أوَ لو كان هذا السواد الأعظم على هذه النزاهة, والميل للعدالة, والحرص على التطهير في واقع أمرهم سلوكاً, ومسؤولية, وحرصاً, وتنفيذاً, هل كان هذا «الفساد» الذي تكشف عنه مراقبتهم, وملاحقتهم, ومتابعتهم حذو الثانية بالثانية ليكون؟!!..,
أم أنّ الفساد المستشري بهذه الحقائق عن الفساد هي الدليل على أنّ هناك تناقضاً بين ما, وبين ما..؟!
وإلاّ لماذا ينشغل الموظف عن عمله في موقع عمله بشرب القهوة, وملاحظة شاشة الهاتف, واستقبال المكالمات, والمحادثات المكتوبة, وتناول الوجبات, والتلهِّي بالأحاديث الجانبية مع الزملاء, وتسويف المعاملات, وإرجاء التوقيعات, وتجاهل من ينتظرون خلف الأبواب, والمماطلة في الإنجاز, و.. و.., وتعطيل المعاملات بالاجتماعات الكثيرة المتكررة في اليوم, والتأخر عن الحضور المبكر بحجة اللقاءات الخارجية, وفرض قيود السكرتارية على المراجعين, كما لا يعدل, ويميل ولا يستقيم, ويمد يداً, وقدماً ولا يرتد, ويتمطى في إهاب منصبه إن كان رفيعاً, أو يتسيب في رهات عمله إن لم يكن..؟
ثم من جهة أخرى إنهم حكماء في مواقع التواصل، إن قرأتهم فيما يتابعون من قضايا الفساد, وتحريك اللثام عن قسمات وجوهه, والمفسدين لوجدتهم في كل يوم يدبجون ما يكتبون بالحكم, إما بصياغاتهم اللغوية المختلفة , أو من نقولهم المنتقاة تارة يشيرون لواضعها, وغالباً لا يفعلون, وأكثرهم يتباهون بأسماء من ليسوا من لحمتهم من الغربيين استعراضاً, وتباهياً, شأنهم في التباهي بكل أجنبي..
هذه المثالية المصطنعة إلى أين ستقودنا ؟!..
إنني أقترح ولعل «مراكز البحوث الاجتماعية والنفسية» أن تلتفت لهذا المتدفق من الصيد المتناقض، فبحر قضاياها, ومهامها المضلعة بها الآن يتكاثر فيه ما سيملأ الشباك ويفيض, وإنها بلا ريب ستعود بالسمين من النتائج في الحصاد جراء هذا المشاع بين من وظّفوا أنفسهم للمراقبة, والملاحقة, والمتابعة, والكشف, ليفرزوا مفارقات المطلوب منها جدواها لا أن تكون رماداً يذر, وفقاعات تتطاير ما يلبث الموج أن يتلاشى بها تاركة دواعيها, ومخلّفاتها في مكوّنات المجتمع المختلفة دون جدوى.