في تجاهل لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي, تستمر التحالفات العسكرية الغربية والقوى الاستعمارية السابقة في محاولاتها لتوسيع نفوذها وبسط هيمنتها وسيطرتها على مناطق ملتهبة من الشرق الأوسط كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا وغيرها. والغريب أن حكومات الدمى في سوريا والعراق مثلاً تناشد هذه الدول بالتدخل في قصف المدن العربية على رؤوس ساكنيها وتدمير البنى التحتية فيها كما نشاهده في المدن السورية والموصل وغيرها. ومن أجل بقاء هذه الحكومات لفترة زمنية أطول, يتم الاتفاق مع المستعمرين على التدخل العسكري لإجبار ملايين الناس على الهجرة والنزوح إلى نفس الدول التي شاركت في هذه التحالفات العسكرية ضد بلادهم. وما أن يغادر الناس مدنهم وقراهم تحت وابل القصف الصاروخي والبراميل المتفجرة حتى تبدأ هذه الأنظمة بالتباكي على هؤلاء الناس المشردين الذين اضطرتهم ظروف الحرب المأساوية الناتجة عن سياسة تعزيز بقاء النظام الحاكم في تلك الدول على حساب إرادة الشعوب وحريتها وكرامتها.. فنجد أن تلك الأنظمة التي تصارع من أجل البقاء تطالب الدول الغربية بحسن استقبال ومعاملة اللاجئين الناجين من ويلات الحرب في بلدان كانت آمنة مطمئنة.
فكيف يعقل أن تطلب هذه النظم السياسية المستبدة الاستقواء على مواطنيها بمن كانوا مستعمرين لهم بالأمس, ثم تتوسل إليهم في أروقة الأمم المتحدة باستقبال وإيواء النازحين منهم, وهي تعلم أن ثمن التعاون العسكري هو قتل السكان في مدنهم وإجلاء من تبقى منهم على قيد الحياة.. وبالتالي فإن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف يكون مقبولاً لهذه الأنظمة في سوريا والعراق أن تستمر في تولي مهام سلطاتها طالما قبلت أن تكون مطية ودمية في أيدي القوى الفارسية والغربية والشيوعية الطامعة؟
إن ما يُسمى الآن بمعركة الموصل في شمال العراق إنما هو تجسيد وتصعيد للتوغل الاستعماري الجماعي في هيئته المتمثلة في شعار «الحرب على الإرهاب». وما مشاركة ميليشيات إيرانية وقوات عراقية خاصة مدعومة بمقاتلات حربية تابعة للدول الأعضاء في حلف الناتو يبلغ تعدادها أكثر من 80.000 جندي ضد جماعات مسلحة لا يتجاوز عددها 6000 مقاتل, إلا مثال على التدخل السافر في شئون الدول العربية الضعيفة واحتلالها بالقوة بتواطؤ وخيانة وانبطاح من حكوماتها الفاسدة.. وهل يكون الهدف من هذه المعركة غير المتكافئة هو إخراج داعش الإرهابية من تلك المدينة الصغيرة فقط, أو إخراج المسلمين السنّة لإيجاد تغيير ديموغرافي يتفق مع سياسة التوسع والهيمنة حتى لو كان الثمن هو الاحتلال الغربي والهيمنة الفارسية؟
في الوقت الذي تلتقي فيه مصالح أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا مع مصالح إيران التوسعية فإن تلك الدول إنما تمنح إيران فرصة المشاركة في الهيمنة على أجزاء واسعة من العراق وسوريا ليكون بمقدورها تقاسم الثروات معها استناداً إلى مفهوم «النفط مقابل الغذاء» كما كان سائداً خلال فترة سقوط بغداد, ثم تحقيق تواجد عسكري على الأرض العربية لقطبين متنافسين على منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية.. فروسيا تريد التواجد الدائم في مياه البحر الأبيض المتوسط لتكون قريبة من مناطق النفوذ الغربي وتهديد العدو في حالة نشوب حرب عالمية ثالثة.. بينما ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في بيع السلاح وتعزيز دفاعاتها وفرض سيطرتها على المنطقة بما يضمن لها البقاء وسلب الثروات من ناحية وحماية أمن إسرائيل من ناحية أخرى.
لقد ثبت بطلان هذه الشعارات الاستعمارية منذ عقود طويلة مضت ومنها شعار «الحرب على الإرهاب» الذي أطلقته أمريكا وبريطانيا في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش, ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير, والذي تم بموجبه إعلان الحرب وقصف وتدمير المدن الأفغانية ثم المدن العراقية لاحقاً تحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة كيميائية بالرغم من تقرير فريق مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتضمن عدم العثور على دليل يثبت تورط الحكومة العراقية آنذاك بإنتاج مثل هذا السلاح.. وبالرغم من اعتراف الدولتين لاحقاً بارتكاب خطأ الحرب على العراق, إلا أن أمريكا ما زالت تغض الطرف عن إيران لإنتاج أسلحة دمار شامل يمكن حملها على صواريخ بالستية عابرة للقارات ويتراوح مداها ما بين 3000 - 10.000 كم مثل صواريخ سجيل وصياد المضاد للطائرات وبدر 110 وشهاب6, وهو نسخة مطورة عن صاروخ سكود, فضلاً عن تور أم1 وهي منظومة صاروخية روسية الصنع يعتقد أنها لحماية المنشآت النووية من خطر المقاتلات المعادية.
كما أن استخبارات الدول الغربية كانت تعلم تماماً بتعاون إيران المسبق مع تنظيم القاعدة في التخطيط والتمويل لشن هجمات إرهابية في كثير من دول العالم.. وبالرغم من علمها عن دولة راعية وممولة للإرهاب إلا أنها لا تفعل شيئاً حيال تورط إيران في الوقوف إلى جانب الحركة الحوثية في اليمن وتمويلها بالسلاح والخبراء العسكريين لتهديد أمن المملكة العربية السعودية التي سارعت مؤخراً بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تشكيل تحالف عسكري عربي إسلامي كبير ليكون قوة ردع إسلامية جبارة ترهب الأعداء وتقف أمام المشروع الصفوي الفارسي والمخططات الطامعة في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الأمة ومكتسباتها.
- منصور ماجد الذيابي