د.محمد بن سعد الشويعر
ذكر الله سبحانه الأحلام والرؤيا في قصة يوسف عليه السلام، وقد علَّم الله يوسف تعبير الرؤيا فوقع تعبيره عليه السلام كما قال لأنه علمٌ علَّمه الله إياه، ولكن الناس يختلفون في أحلامهم عندما ينامون وفيما يتراءى لهم، بل وفيما كانوا يحدّثون أنفسهم به قبل أن يناموا.
كما يختلف المعبِّرون للرؤيا في ذكائهم وفطنتهم وفي موازنتهم الأمور وتعليلها، وفوق هذا وذاك في علمهم ودينهم وورعهم عندما يعبرون عن الأحلام.
فالرؤيا الصالحة هي الرؤيا التي تعبر عن الحقيقة وهي التي أوضحها رسول الله في حديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات يا رسول الله قال: الرؤيا الصالحة).
وجاء في حديث اتفق عليه البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان - أي اقترب انتهاء أمر الحياة الدنيا - لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) وفي رواية (أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً).
ومن الرؤيا الصادقة الرؤيا الحقيقية التي ليس للشيطان فيها مدخل، بل إنه يعجز عن الدخول في هذا السبيل، رؤيا نبي الله لأن الله حالَ بينه وبين أن يتقمّص شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق الشيخان على ما حدث به أبو هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة «أو كأنما رآني في اليقظة» لا يتمثّل الشيطان بي).
والرؤيا الحقيقية هي الرؤيا الصادقة والتي يرى بعض المختصين أن لها شروطاً تميزها عن غيرها منها: أن يكون الرائي قد ذكر الله عند نومه وقرأ ورده وأن يكون نام على طهارة لأن الشيطان لا يقترب ممن ذكر الله وقرأ ورده ونام على طهارة، أما الملائكة فإنهم ينفرون ممن تعرّى أو عليه جنابة فكان الأفضل للمسلم إذا لامسَ أهله أن يغتسل قبل نومه أو يتوضأ.
وألا يكون نام وبه تخمة أو على شبع أو جوع شديد وبعضهم يرى أن الجو المعتدل عن الحرارة من الأوقات المناسبة واعتدال المزاج وعدم وجود مرض بالإنسان وخاصة الحميات التي تسبب الهذيان.
وبعكسها الرؤيا الخيالية أو الكاذبة التي تحصل في الغالب من مؤثرات نفسية وتخيلات وأفكار قبل النوم كانت تشغل بال الإنسان فتتراءى أمامه في منامه ويسميها علماء النفس: أحلام اليقظة أو خواطر النفس وخيالاتها وفي هذه الحالة يأتي دور الإنسان مع الشيطان الذي يحاول اغتنام نقاط ضعف فيه ليدخل عليه من هذا المدخل، فيتلاعب به إذا أحسن بمجال يعينه على إشغاله ويلهي فكره.
والشيطان عندما يريد الدخول على الإنسان في منامه فإنه يثير الأشياء المخيفة: كأن يكون الإنسان وقع في بئر أو من مكان شاهق: أو مبنى كبير أو جبل أو مصيبة حلت به أو بمن هو عزيز لديه إلى غير ذلك مما يراه الإنسان في منامه من الأحلام المفزعة.
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا التي يرتاح إليها الإنسان وتفرحه هي من الله، أما نقيضها مما يكره أو مما تنقبض منه أسارير الإنسان وتترك أثراً مؤلماً في قراره فإنها من الشيطان.
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته علاجاً ناجحاً وسبباً معيناً على تحصيل آثار الرؤيا الحسنة بما يريح النفس ويطمئن القلب وتخطي آثار الرؤيا السيئة بما يسد المنافذ على الشيطان ويقضي عليه وعلى وسوسته فيُنخس بقوة الرادع العلاجي الذي خرج من صيدلية الإسلام وعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته.
وهذا يوضحه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره) رواه البخاري.
وللحديث بقية.