د.محمد بن عبدالرحمن البشر
التحدي في مجال القراءة في الوطن العربي كان مسابقة كبيرة نمت في دبي آتت أكلها بحضور سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وسمو ولي عهده، وكذلك الشيخ نهيان بن مبارك، وجمع من الوزراء من داخل الإمارات وخارجها، وعدد من السفراء، والمثقفين، والطلاب، وقد كان لقناة العربية حضو من خلال التقديم والإخراج، والخطابة ممثلة في الأستاذ تركي الدخيل، إضافة إلى الرعاية التي قامت بها القناة.
لقد حداني للكتابة عن ذلك ما يعيشه عالمنا العربي من انشغال عن القراءة بالحروب والتناحر المذهبي والعرقي الذي ابتليت به أجزاء من هذه الأمة في الوقت الحاضر بتأثير جله خارجي، وقليل منه داخلي، وكأن هذه الأمة في الوقت الحاضر قد تم اختيارها من قبل تلك القوى لتكون ساحة اقتتالهم، وربما فيما بعد نيل كل طرف منهم، طرفاً من هذه الوليمة.
نعود للحديث عن تحدي القراءة في الوطن العربي، وما تم التطرق إليه في تلك المناسبة، لنذكر رجلاً أعمى عاش في أمريكا اللاتينية، وتحدى الظروف واتجه إلى القراءة، واسمه أبو خليص، وقد استطاع هذا الرجل من خلال هذا التحدي إلى صنع المعجزات بقدراته الفائقة على الاستيعاب والإنتاج المعرفي المميز، كما ظهر في الأفق نماذج فريدة من أبناء وطننا العربي منهم من تحدى الفقر، والإعاقة، وصغر العمر، أو الهجران من الأم، أو المرض، أو العيش تحت الاحتلال، وكانت حقاً نماذج فريدة فيما ذكر من سيرتهم الذاتية ونضالهم من خلال القراءة للوصول إلى الغاية التي يأملون الوصول إليها.
والقراءة ليست ماء وغذاء وحاجة لكنها رغبة كما قال الأستاذ تركي، وأقول أيضا: إما تكون للمعرفة أو للاستمتاع أو للاعتبار، أو بعضها أو جميعها. ولهذا فالقراء منهمكون فيما يستمتعون به، ويسعدون بالنظر إلى ما يعشقون، ولك أن تتصور عاشقاً منحه الله الجلوس ساعات مع عشيقته الشرعية كل يوم، فكم من السعادة سينال، لكن ذلك لن يؤدي الصرع أو الصرع بالسكون أو الفتح، كما هو في كتاب مصارع العشاق، أو ما ذكر بين ثنايا كتاب أنس العاشق ونزهة الشائق ورياض المحب الوامق لمؤلف مغربي مجهول ساعدني العلي القدير على تحقيقه.
يقول الشاعر، كما ورد في أنس العاشق:
وإني لأخلو إن فقدتك ساعة
فأنقش تمثالا لوجهك في الترب
أما والذي لو شاء لم يخلق الهوى
لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي
أمكن قلبي باللقاء لأنه
يطير كما تدري بأجنحة الحب
هكذا هو عاشق الكتاب، ولو غاب عنه لرسم له رسماً وأخذ في النظر إليه، ولربما أخذ قلماً ليكتب نثراً، أو شعراً، لينثر فوقه أنفاسه بمعاول معرفته التي صنعتها القراءة.
دخلت التقنية الحديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، وغيرها، وأصبح جل وقت أغلبنا مشغولا بها أكثر من انشغاله بالكتاب والقلم، وإن ورد عبرها بعض الفائدة، إلاّ أن بعضها بين نقد وقدح وسباب، وإطراء ونفاق، وتكبير وتهويل، وبث الفرقة والتعصب، وهذا لا يمنع أن في تلك التقنيات الكثير من الأسباب التي تساعد على التواصل الاجتماعي والتقارب المعرفي وتبادل الآراء والمعارف المفيدة، المطلقة والمقيدة.
نعود مرة أخرى إلى تحدي القراءة العربي، وذلك البرنامج المميز الذي فاز فيه صبي لم يبلغ السابعة من عمره من الجزائر الشقيق الذي استطاع التغلب على ستمائة متنافس، وقد سُئل سؤالاً وأعطي دقيقة للإجابة، فأجابه كالسيل الهادر، لا يعوزه التعبير، ولا تعوقه العبارة، ولا يمنعه صغر سنه من إطلاق لسانه حلاوة وإبداعاً وتميزاً، فنال جائزته مائة وخمسين ألف دولار، كما نالت أفضل مدرسة من فلسطين بمليون دولار، فكم هو رائع أن نتحدث عن القراءة بدل الحرب والسياسة.