أ.د.عثمان بن صالح العامر
«اللا الثانية: إنتاجية الموظف الحكومي ليست ساعة واحدة
على افتراض أن كلام معالي وزير الخدمة المدنية صحيح، وعلى افتراض أن هناك «دراسات» توصلت إلى هذه النتيجة التي جعلت ردة الفعل الشعبية قوية، بل تجاوز الأمر إلى أن تكون هذه الرصاصة محل تهكم عالمي وسخرية عربية، أكثر من هذا وظّفها العدو من أجل استثارة الرأي العام.. أقول على افتراض أن هذا صحيح، فإن صاحب المعالي يعلم أمورا مهمة في نظري، ألا وهي:
أن مثل هذه الدراسات تحتاج إلى «معامل صدق وثبات» يتوافق ونوعية الدراسة وحجم العينة، من أجل أن تضمن- ولو نسبياً- قرب نتائجها من المصداقية، وأجزم أن ما قال عنه معاليه إنها «دراسة» لا وجود لهذا المعامل فيها.
أن مثل هذا النوع من الدراسات تكون مشاريع بحثية وطنية يقوم بها فريق متخصص على مستوى الوطن، وتحفظ نتائجها لدى صناع القرار، وغالباً- بل دائماً- لا تعلن للجمهور، وإنما تكون موجهًا وقائدًا «خارطة طريق» لصناع القرار، ومؤشراً على بعض الهنات في السياسات العامة، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومجلس الشورى، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ومراكز الأبحاث المتخصصة في الوزارات ذات العلاقة، والهيئة العامة للإحصاء، وجامعاتنا السعودية مليئة بهذا النوع من الدراسات سواء ما يتعلق منها بالمياه أو التنمية أو الجريمة أو الأسرة أو الإنسان أو التعليم أو المرأة أو...
أن الدراسة مهما كانت النتائج التي توصلت إليها إذا مضى عليها عشر سنوات أو أكثر فهي مجرد جزء من ركام الماضي، ونتائجها محل شك كبير لدى أهل الاختصاص للتغير الحياتي والحراك المجتمعي، ولذا لا تمنع الجهات المانحة للدرجات العلمية العليا من دراسة الظاهرة نفسها بعد هذا العمر.
أن حال الباحث في الدراسات الاجتماعية لا يخفى على أمثال معاليه، فضلاً عن المشارك في تعبئة الاستبانات، وهذا مدخل للشك فيما يتوصّل إليه كثير من الباحثين في عالمنا العربي.
أن لغة التعميم حين مخاطبة الجماهير بمثل هذه النتائج ذات الصبغة الشمولية المنبتّة عن حيثياتها وتحليلاتها وتفريعاتها وأسبابها ومعطياتها لغة غير مقبولة، وأخشى ما أخشاه أن تكون الدراسة التي عول عليها معاليه وأحال إليها مجرد دراسة استطلاعية استكشافية على عينة عنقودية مختارة، قام بها فريق استشاري أجنبي وعرضها عن طريق البوربوينت بشرائح عديدة مدعمة بالرسوم البيانية والأرقام التجريدية، من أجل أن يقارن بين إنتاجيتنا نحن كسعوديين وإنتاجية غيرنا حتى يتسنى له أن يقدم الأرضية التي على أساسها يكون الاقتناع به كمستشار!!.
وهنا أتساءل علِّي أن أجد الجواب:
لماذا لم تعلن نتائج هذه «الدراسات» إلا هذا المساء، وليس قبل ذلك بكثير؟.
ما السياسات والخطط التي اتخذت لرفع سقف الإنتاجية لدى السعودي من قبل صناع القرار منذ ظهرت النتائج وحتى تاريخه؟.
هل أساس المشكلة - إن كانت حقيقية وموجودة بالفعل - متمثل في شخص الشاب السعودي الموظف الحكومي، أو في غياب التوصيف الوظيفي في كثير من قطاعاتنا الإدارية، وعدم منح الصلاحيات الطبيعية المخول بها شاغل هذا المنصب!
ما مقياس الإنتاجية الذي اتُّخذ في هذه الدراسة، ومع من كانت المقارنة في الإنتاجية المتوقعة من هذا الإنسان السعودي السعيد والمتشرف بخدمته لدينه ولولاة أمره ولوطنه الذي هو في ميزان الله أولاً ثم في ميزانه هو ليس كبقية الأوطان؟
هل النتيجة واحدة في جميع القطاعات والمناطق والإدارات وحسب المؤهل والمنصب والجنس، وما إنتاجية الأجنبي الذي يعمل في القطاع الحكومي، إن وجد؟
ومع ذلك فإنني أذكّر نفسي وموظفي القطاع الحكومي عموماً بأن كلا منا مسئول عن مراجعة نفسه ومحاسبتها بأمانة وصدق، فنحن من يبني الأوطان ويحقق التطور والنماء لبلدنا المبارك المعطاء المملكة العربية السعودية، وكما قال المفكر الألماني الاقتصادي المعروف «شاخت»: «لا يمكن أن ينهض بالوطن إلا أبناؤه»، دمتم بخير، وإلى لقاء مع اللا الثالثة، والسلام.