خالد بن حمد المالك
دعيت قبل سنوات إلى حلب لإلقاء محاضرة بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، كانت هي الأولى في زيارتي لها، وقد استدعى إعدادي للمحاضرة أن أقرأ كثيراً عن هذه المدينة ثقافياً وتاريخياً واقتصادياً، نثراً وشعراً، وما مرت به من قصص عبر أطوار التاريخ.
* *
كنت أمام صفحات مضيئة من التاريخ، وبين مراحل تاريخية مدهشة، فحلب جزء لا يستقيم التاريخ دون أن تكون ضمن المتصدرين في صفحاته، وكل شيء موثق بالرواية والقصة والقصيدة، والأحداث المثيرة التي مرت بها وكتب عنها، ما يشكل مكتبة عامرة بالمؤلفات والدراسات والبحوث الأكاديمية.
* *
غير أن القراءة دون زيارة للمدينة لا تعطي صورة متكاملة عن حلب، ولا تغني عن معرفة التفاصيل الدقيقة من تاريخ هذا الجزء المهم من الأراضي السورية، ولا يمكن مهما قيل في مصادر البحث - على كثرتها - أن يكون الانطباع كما هو لمن يزور المدينة، ويجول في أحيائها، ويلتقي بأهلها الطيبين.
* *
زرت حلب الشهباء، والتقيت بمحافظها ومثقفيها ومؤرخيها، وجلت في أسواقها، ومشيت بين دروب قلعتها الشهيرة، وسعدت يومها أن حلب تحتضن كل هذا الإرث التاريخي، وأن أهلها حافظوا عليه، ضمن محافظتهم على شخصية المدينة، ونمط عمرانها، مع محاكاة لأجزاء منها للنمط والتخطيط العمراني الجديد.
* *
أستعيد هذا من الذاكرة لأول وآخر زيارة لي إلى حلب، وأشعر بالألم، وأنا أرى الآن الحرب على حلب تقضي على كل ما هو جميل، قديماً كان أو حديثاً، فالبراميل المتفجرة، والطائرات، وكل أنواع الأسلحة تستخدم بلا رحمة ضد المدنيين وغير المدنيين، والضربات الجوية، والدمار الذي حل بالمدينة، لا يستثنيان المعالم التاريخية ولا غيرها، ضمن سياسة الأرض المحروقة.
* *
ما الذي سيبقى لحلب ولمن كتب لهم الحياة من أهل حلب، إذا ما توقفت الحرب، بافتراض أنها ستتوقف؟ وهذا رأي متفائل مني، غير بقايا من أحجار تذكر بأن هنا كان يوجد مسجد تاريخي قديم، وهناك قلعة أثرية، أو سوق تجارية كانت هناك، بينما تم تمزيق الشوارع وتحويلها إلى حفر لا تصلح الا كخنادق لمثل هذا القتال الدامي الذي يديره بشار الأسد مدعوماً من إيران وحزب الله ومجموعة من المرتزقة ومن روسيا.
* *
قدرك يا حلب، ويا أهل حلب، أن تكونوا في فوهة مقذوفات السلاح العدواني المدمر من الداخل والخارج، وقدرك يا ابن حلب أن تفدي مدينتك الغالية بالدفاع عنها، واسترخاص الروح والدم في سبيل حمايتها من غدر الأعداء، وتربص المتربصين، وبذلك فأنت تصنع مجداً وتاريخاً جديداً لها ليضاف إلى سجلك وسجل أبنائك مع الخالدين.