د. حمزة السالم
تصور الإفلاس جاء من عدم فهم دور الاحتياطيات الأجنبية في اقتصادنا. وتوضيح الصورة جلية سيكون بسرد الأرقام كما تعرضها مؤسسة النقد.. فمن حين ارتفاع النفط في أواسط عام 2005 إلى انتهاء طفرته في بداية عام 2015، تضاعفت الاحتياطيات خمس مرات تقريباً (734 مليار دولار). فقد كانت الاحتياطيات تزيد بمعدل شهري يبلغ في المتوسط، خمسة مليارات ونصف دولار تقريباً في الشهر. أضف إلى ذلك سداد الدين المتراكم سابقاً، بمعدل مليار شهرياً. أي أن فوائض النفط كانت تزيد عن الإنفاق الحكومي بمعدل سبعة مليارات شهرياً، وبمجموع قارب الترليون دولار (856 مليار دولار).
وبسبب استمرار الإنفاق وحصول العجز في الميزانية، ذهب في عام ونصف، ربع الاحتياطيات تقريباً، أي مائة وسبعين ملياراً. فقد كانت الاحتياطيات تنقص شهرياً بمعدل تسعة مليارات ونصف دولار. أضف إلى ذلك عودة الدين بمعدل زيادة مليار ونصف شهرياً، أي أن الاستهلاك فوق عوائد النفط، قد بلغ أحد عشر مليار دولار شهرياً. والاستمرار في نفس معدل الإنفاق سيستهلك جميع الاحتياطيات (بإدخال الدين)، خلال أربع سنوات تقريباً، أي كما تنبأ المسؤول الحكومي زمن وقوع الإفلاس.
فبافتراض استمرار أسعار النفط المنخفضة والحال عموماً، فيلزمنا من أجل حفظ ما تبقى من الاحتياطيات كاملة، أن نخفض الإنفاق بمعدل أحد عشر مليار دولار شهرياً، تقريباً، ما يساوي خمسمائة مليار ريال سعودي سنويا، أي 60 % من مصروفات الميزانية. وبما أن قيمة جميع البدلات (الملغاة وغيرها) تبلغ عشرين مليار دولار سنوياً، كما في جريدة الاقتصادية 7-10-2015. فإن إلغاءها مع بقاء الإنفاق وعدم الإنتاج لغير النفط، فإن هذا سيبقي لنا عجزاً بمائة وعشر مليار دولار سنوياً، لم نجد لها حلاً. وهذا العجز سيتكفل باستهلاك جميع الاحتياطيات في خمس سنوات بدلاً من أربعة سنين. أي أن إلغاء البدلات فقط، سيؤخر النتيجة عاماً واحداً فقط. أي أن ميزانية عام 2021 لن تزيد عن ثلاثمائة وخمسين مليار، بدلاً من أن يحصل هذا في عام 2020.
ولكن لن يكون هناك إفلاس، حتى ولو أردنا أن نفلس كآيسلندا، لما تمكنا. فالنفط هو عملتنا مع العالم الخارجي. والديون الخارجية لا يُسددها إلا النفط. وغالب الاستهلاك المحلي مستورد. وكذلك الإنتاج المحلي، فهو قائم على العمالة الأجنبية وعلى استيراد غالب المكائن والمواد الأولية. إذا فكل معيشتنا قائمة على الاستيراد من العالم الخارجي، أي على دولارات النفط. ولكن هذا لا يستلزم الإفلاس. فالنفط لن ينتهي في خمس سنوات. والديون التي سنتحصل عليها، لأكثر من خمس سنوات ستكون مضمونا بأصول الاحتياطيات. وثم بعد ذلك، فالحكومات لا تفلس بعملتها المحلية، إلا خياراً منها. وفي حالنا فخيار الإفلاس لن يكون متاحاً أصلاً، وذلك لارتهان الديون الأجنبية لأصول الاحتياطيات. وبعدم استطاعتنا الاقتراض الأجنبي متى استهلكت الرهون أصول الاحتياطيات. وبانعدام إمكانية الاقتراض الأجنبي، فلن نستطيع الحصول على النقد الأجنبي لشراء استهلاكياتنا. فلا يبقى لنا إلا ما يجلبه النفط بأسعاره حينها. فليس لنا إلا العيش بالمتوفر لنا منه.
إذن فالقول الأقرب للصحة هو أنه مع إلغاء البدلات فقط، وبقاء أسعار النفط واستمرار الحال، فإن أرقام ميزانية عام 2021م، ستعود لنفس أرقام ميزانية عام 2003.
وهذا ليس إفلاساً للخزينة، فالعودة لأرقام الإنفاق في ميزانية صدرت قبل 17عاماً، هو وضع مررنا به من قبل.. وذلك في ميزانية عام 1994م، حيث كان الإنفاق (163 مليار) وهو مقارب لميزانية عام 1977م. واستمر شدة الحال عشر سنوات، حتى تساوت ميزانية 2004 مع ميزانية 1981 في إنفاق بلغ 285 ملياراً في كلا العامين. وثم عاد النفط وعادت أرقام الميزانية للانطلاق الفلكي.
وهذا مطمئن، إلا أن الاختلاف الشاسع في كل شيء بين الزمانين، واشتراط عودة طفرة النفط يُفسد هذا الاستشهاد الرقمي المُجرد. إلا إن جعلناه غير مجرد، فسيكون عام 2020 عاماً اعتيادياً كأعوامنا في العقد المنصرم، ولكن بشرط الإبداع الوطني لا التقليد الأجنبي. فالحلول موجودة، إذا استمعنا للعقول السعودية.