سعود عبدالعزيز الجنيدل
يحاول الأب جاهدا تعليم طفله اللطيف أشياء كثيرة، من بينها عدم الاستسلام في دنيا أصبح فيها البقاء للأقوى على مستوى الأطفال.
يراقبه عن بعد في أماكن تجمّع الأطفال للعب، خصوصا في الأماكن العامة، لم يسره كثيراً كرم طفله اللطيف مع بقية الأطفال! هذا الكرم يتمثل بالسماح للأطفال باللعب قبله، مع أنّ الدور لطفله اللطيف، إلا أن هذا الطفل يترك الأطفال يلعبون قبله، ظناً منه أن هذا الأمر له نهاية! هذا التصرف النبيل من الطفل اللطيف، لن يكون في مصلحة الطفل، صحيح أنه تصرف في غاية النبل، ولكن زمن النبل ولّى.
بدأ يفهم الطفل حقيقة اللعبة، فالدور لا يأتيه أبداً، والأطفال لا يتوقفون عن اللعب مراراً وتكراراً، وكان يظنهم نبلاء مثله.
عاد لأبيه باكياً شاكياً، فحمله الأب بين ذراعيه، وبدأ يعلمه كيف تسير هذه الدنيا، خصوصا في الموقف الذي تعرض له الطفل.
يا طفلي اللطيف، هذه رسالتي لك:
«طفلي اللطيف، لست «ضعيف»، أنت ظريف، وغيرك عنيف ومخيف، فلا تكن «خفيف».
هذه الرسالة القصيرة ستكون نبراساً لك في حياتك، نعم أنت لست ضعيفاً، فَلَو كان المرجع لحسم الأمور للقوة، فستفوز بها، كما أنك ظريف تحب إضحاك من حولك، لكن غيرك عنيف ومخيف لا يعترف بحق الآخرين! وهل يا ترى هو تجسيد لحاله عندما يكبر، كما هو حاصل في وقتنا الراهن؟ لهذه الأمور يجب أن لا تكون خفيفاً في نظره، لأنّ من يُعامل الناس بنبل، يُظنّ به أنه خفيف!.
هذه الرسالة التي أوصلها الأب لطفله، قد تكون سبباً في فهم طفله اللطيف سر البقاء، وأن البقاء للأقوى والأصلح -كما هي نظرية داروين-، وسواء اتفقنا أم لم نتفق معها، فيبدو أنها الحل الناجع.
استطاع الطفل اللطيف التعايش مع هذه الوضعية، فتناسى كرمه النبيل، وأصبح يسابق الأطفال، ويسبقهم إلا أنه لم ينس ظرفه، وضحكته، التي تضحك كل من يراها!.
في أحد الأيام، وفي مكان عام، سبق الطفل اللطيف الأطفال الآخرين، إلا أنهم لم يعترفوا بهذا السبق الشريف، وأرادوا الرجوع لحكم الغاب العنيف، فاجتمعوا على هذا الطفل اللطيف الذي بادرهم بالضحك والابتسامة، ظناً منه أن الحق له باللعب أولاً كونه أول من وصل، وظناً منه أن هذه منافسة شريفة، تخضع للأفضلية...فمسكوه، وابتسامته لم تفارق محياه، وطرحوه أرضاً، وتنابوا على ركله، وهو يشاهدهم مستغرباً، متألماً، لماذا كل هذا، ألم أفز عليكم و أصِل للعبة قبلكم؟ لماذا تضربوني؟ فتحّول ضحكه وابتسامته إلى بكاء وعبوس، فسمع الأب بكاء طفله اللطيف، وجاء راكضا، فهرب الأطفال منه، وشاهد طفله اللطيف، مرمياً على الأرض يبكي، وقميصه، وبنطاله، مليء بالتراب! ويبكي بكاء مريراً، فحمله الأب بين ذراعيه، وقبّله على خده، وقال له يا طفلي اللطيف، أنت بطل، وشجاع، وفارس نبيل، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة، وحينما تأتي الكثرة مرة أخرى فثق ثقة تامة، أنني سأكون واقفاً معك، وبجانبك، ولن أدع أحد يضربك مجدداً، فمن الظلم أن تواجه لوحدك الكثرة...
إضاءة
طفلي الحبيب، أنت لبيب، وتبدو «غريب» في زمن «عجيب».