د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
لعل الوزير البحريني السابق يوسف الشيراوي 1927- 2004م أولُ من أطلق نداء «الاتجاه شرقًا» قبل ربع قرن أو يزيد، وعنى فيه استلهام تجارب مختلفة وربما عقد تحالفات جديدة بعدما صار الغرب يصافحنا في النهار ويصفعنا في الليل فأدركنا أن اللغة الاستعمارية المسيطرة تستأثر بتوجهاته وسياساته مع دول العالم الأدنى، ومنها عالمنا العربي الذي قسّمه المرحوم الشيراوي إلى «عرب العِز وعرب الرُّز وعرب الهَز وعرب الطُّز»، وأشار إلى المهاجرين في أوربا وأميركا، والمترفين، والشعاراتيين، والمنصرفين عن قضايا أمتهم.
** ليتنا التفتنا إلى ندائه؛ فربما وفرنا على الأمة بعض العناء من الركض اليائس خلف البؤس الذي ارتكست فيه راياتنا من لدن أوجاع يهود والعسكر حتى فواجع كسرى وقيصر، ولأن التمحور حول الذات غيرُ ممكنٍ في زمن الشتات فإن إدارة البوصلة في اتجاهين آخرين: شرقًا وجنوبًا يبدو السبيل الأيسر حتى يحين موعد الإفاقة أو الاستفاقة.
** في الشرق إصرارٌ على الحياة وفي الجنوب سعيٌ من أجلها، ومن تحوِيه غرف العناية الفائقة يولي وجهه نحو من يبعثون الحياة أو يبحثون عنها لا من ينشرون الموت أو يطفئون الأمل، ولنتجاوز الأبعاد السياسية والعسكرية إلى التنموية؛ فتجاربهم المذهلة من اليابان حتى الهند توحي أن أمم الشرق معنية بالإنسان قبل الثروة فلم تعقهم المصادر المحدودة عن معانقة الأحلام الممدودة.
** وفي الضفة المقابلة فقد صرنا أمام الغرب والشمال مطالبين بإعلان البراءة من الإرهاب ودفع فواتير خططهم التوسعية وانتظار مصيرنا المرتهن برضاهم وانقضاء مصالحهم، في حين يمثِّل الجنوبيون عمقًا بشريًا لا يعني تجاهله سوى الحرمان من المساند، والإذن بتكوين بؤرٍ قابلة للاستئجار من عملاء فارس ويهود، وتجربة «الملك فيصل» في احتوائهم، وجهود «السميط» في اجتذابهم شاهدان علينا.
** ولو اقتنعنا بتجارب ماليزيا وسنغافورة والهند عدا عملقة الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتحالفنا استراتيجيًا معها ومع مجاوراتها وأدرنا شطر ظهورنا - لا كلها - لتحالفاتنا السابقة التي لم نجنِ منها ما حلمنا به فإن الغد مؤذن بتغييراتٍ إيجابيةٍ كبيرةٍ في مجالات التعليم والصحة والاقتصاد والخدمات؛ فهم أقرب إلينا في كثير من القيم العائلية والمجتمعية، وربما شاهد أكثركم استعداد اليابان بمصليات إضافية في مطاراتها وأسواقها استباقًا لاستضافة كأس العالم بينما تواصل الولايات المتحدة تفتيش هواتفنا وأجسامنا مثلما فتشت عقولنا واستنزفت جيوبنا.
** نتابع بتطلعٍ حراكًا مختلفًا نحو الشرق نتمنى أن يتواصل ويتضاعف ويتآزر مع حراك مماثل نحو الجنوب؛ فالفكر والعلاقات قادران على تحويلنا إلى أمة مهابةٍ لا يعنيها أن يجيء «ترامب» أو يتجبر «نتنياهو» أو تعلوَ ظاهرة «البوتينيسم» التي لا نعرف محرضاتها ولا نتنبأ بنواياها.
** أغلقت سيريلانكا ملف الأمية أو كادت وما نزال نراها في المكان الأقل، ومن لم يدرك حجمه تاه في بارانويا ذاته المتضخمة فضلَّ وأضلَ.
** الكونُ مدارٌ ودوائر.