د. فوزية البكر
في فيلم بديع باسم كل هذا السكر أنتجه ناشط أسترالي، والذي يُعَد اليوم أحد أهم المدافعين عن الأكل الطبيعي في العالم، وهو الذي لم يكن يعني بطريقة أكله قبل أن يقابل فتاة حياته التي غيّرت مفاهيمه، حول الغداء وأقنعته بتأثير ما نأكل في سلوكنا وأمزجتنا ونشاطاتنا الفكرية والجسمية، فتحول بعدها إلى الأكل الصحي، مما أدي إلى نتائج باهرة على مستوى أدائه العام ونومه، ومن هنا قرر مع رفيقته عمل هذا الفيلم بحيث يكون هو نفسه (حيوان) التجربة، حيث بدأها بأخذ كل مقاييسه الطبية من حيث ضغط الدم ونسبة السكّر وعمل الكلي التي كانت كلها ممتازة، ومن ثم بدء التجربة بأن استمر في القيام بنفس تمارينه الرياضية كما استمر يأكل نفس الكمية ولكن باختلاف محتوي ما يأكله، ليضم الأشياء التي يأكلها الناس عامة مثل العصائر والحليب ذي النكهات والكورن فليكس المحلي، وبعض الأطعمة السريعة مثل قطع الدجاج والبطاطس، وفي كل مرة كان يتناول فيها أي شيء كان يقوم بقياس كم ملعقة سكر موجودة في كل منتج، وستذهلون كيف أنه وعلى سبيل المثال فإن علبة زبادي محلاّة بالفواكه بها ما لا يقل عن أربع ملاعق شاي من السكّر، وحدث عن الحليب المحلّى بالشوكولاتة ومثله العصيرات وحتى الخبز، وبعد مضي شهر ونصف على التجربة وباعتباره كان تحت رعاية أطباء، فقد لاحظوا أن وظائف الكبد لديه آخذة في التردي كما ارتفعت نسبة السكّر في الدم بدرجة تهدده بالإصابة بالسكر، وبدأت تجمعات الدهون تظهر في منطقة البطن، رغم أنه كان يؤدي نفس التمارين التي يؤديها قبل بدء التجربة، كما تأثر نومه بحيث أصبح أكثر قلقاً وأقل نوماً، وعانى من تقلبات في المزاج نتيجة الحاجة المستمرة إلى السكر الذي بدأ دماغه يطلبه، حيث إن السكر يحقق ارتفاعاً مفاجئاً في المزاج لكنه يفقدها بسرعة فيطلب المزيد، وهكذا تستمر الدورة (السكرية) الخادعة التي أدخلتنا الأطعمة الحديثة فيها.
بعد مرر شهرين أمره الأطباء بإيقاف التجربة خوفاً على حياته من الأطعمة التي نأكلها كل يوم ! وعاد إلى أكله الصحي الذي يتضمن أطعمة طبيعية غير معلّبة وحتى غير معصورة، بمعني أنه يأكل التفاحة كما هي دون عصر حتى يستفيد جسمه من كل مكوناتها، وهذه هي رسالة الفيلم : إننا في العصر الحديث لم نعد في الحقيقية نعرف طعم الأشياء من حولنا، حيث إن الشركات على اختلافها وخاصة بعد ظهور المشروبات الغازية في بداية القرن العشرين، قد ساهمت تدريجياً في دعم إضافة السكر لمعظم ما هو موجود في البقالات والسوبر ماركتات، بل إن حيلة قليل الدهن إنما تم اختراعها حتى يمكن أخذ الدهون واستبدالها بالسكر، واستخدام تلك الدهون لصناعة الزبدة ومشتقاتها، ومن ثم فالمنتجات قليلة الدهون لا يعني أنها أقل في سعراتها الحرارية إذ إنّ كمية السكر فيها عالية، كما أن الشركات قد تستخدم السكر البديل والمعروف خطره لارتباطه بإصابات غير حميدة.
الفكرة الآن هو أن عليك أن تمشي في أي قسم من أقسام الحلويات في متاجرنا الكبيرة والصغيرة، لترى أنواع الحلويات الرخيصة التي تستغرب كيف تقوي الأمهات على شرائها لأطفالهن، وهن لا يدركن درجة الاعتماد التي يضعن الصغار فيها من خلال حشو أجسادهم بكل هذا السكر، وفي ذات الوقت عليك أن تطل في كل علبة غذاء لأي طفل في الروضة أو الابتدائي لتدهش من كمية الأطعمة الخاطئة التي تم تعويد أطفالنا عليها، مثل العصائر الرخيصة والحليب المحلّى، وحين ننتقل إلى المراحل الأعلى في سلّم التعليم ونقصد المتوسطة والثانوية، سندهش ونحزن حين نعرف اعتماد مراهقينا وخاصة في العطلة الأسبوعية على الأطعمة السريعة، حتى أنك لتذهل أحياناً عند الدخول لأي شركة أطعمة سريعة لتتساءل: هل يوزعون أطعمتهم ببلاش حتى يتشكل هذا الإدمان الجماعي الخطر؟
لا عجب أبداً بالنظر إلى ما نأكله وما تم إدخاله على المطبخ السعودي من سكريات ودهون ومواد حافظة، أن نكون الأعلى إصابة في العالم بمرض السكري، حيث يقدّر أن حوالي 28 إلى 30% من السكان مصابون بالسكر، كما أن كل هذه السكاكر هي ما يتلف الكبد والكلى ويجعلها عاجزة عن أداء وظائفها، مما يعني ارتفاع تكاليف علاج المصابين بالحاليين والمحتملين مستقبلاً، لذا فإن أمامنا طريق طويل شائك لإيقاظ النائمين من تسلُّط السكر على كل ما نأكله ونشربه في الوقت الحاضر، بما يثبت عادات غذائية غير صحية لدى أجيال المستقبل ستكلف أصحابها والوطن كثيراً.