كم من جميع أشتّ الدهر شملهم
وكل شمل جميع سوفَ ينتشر
الرحيل من هذه الدنيا هاجِس كل حيّ من أبناء البشر مهما مُدّ في عمره وطال به الزمن؛ فإن مصيره لا محالة أن يُحمل على أكتاف الرجال إلى مرقده بين مَسَاكِن الراحلين، وهذا مصداق لقول الله سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.
ويقول الشاعر مؤكداً ومخاطباً كل مسلم:
وإذا حملت إلى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمول
وهذا من تكريم الخالق للمسلمين من عباده بإيداع موتاهم في أجداثهم بباطن الأرض؛ إذ قال المولى في محكم كتابه العزيز {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} الآية.
ففي يوم الاثنين 16-1-1438هـ انْسلّت بهدوء روح أم عواد الطاهرة موضي بنت محمد بن عبد الله العواد إيذانًا بأنها استوفت نصيبها من أيام الحياة الدنيا بعد معاناة مع المرض، وقبل ذلك حزنها على وفاه ابنيها عواد وضويحي، وزوجها - رحمهم الله جميعًا - وبعد حياة طويلة عامرة بإخلاص العبادة لله - جلَّ ثناؤه -. وأُديت صلات الميت عليها بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 17-1-1438هـ بجامع الحزم بمحافظة حريملاء، وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة من المصلين رجالاً ونساءً داعين المولى لها بالمغفرة والثبات عند السؤال، ثم ووري جثمانها الطاهر تحت طيات الثرى بمقبرة «صفية».
وقد أحسنت القيام على تربية أبنائها وبناتها بعد وفاة زوجها سعد بن عواد - رحمهما الله - الذي قضينا معه أسعد الليالي في رحلات القنص وصيد الأرانب في شعيبنا شعيب حريملاء آنذاك؛ فهو طيب المعشر حلو الحديث مع جلسائه. وبعد وفاته - رحمه الله - عملت أم عواد على تربية أبنائها ومتابعتهم وتوجيههم التوجيه الأمْثَل، وحثّ كبارهم على المواظبة على أداء الصلوات، وعلى التآلف فيما بينهم، وحسن التعامل مع أبناء الجيران ومع جميع أقرانهم وزملائهم، واحترام معلميهم. ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبًا طيب الأعراق
فكانت تعمل جاهدة على تحقيق ما يحتاجون إليه من مقومات الحياة، ومحاولة تقوية معنوياتهم، وتسليتهم لتناسي شَبَح اليتم الذي غطى سماء منزلهم بسحابة حزن بعد رحيل والدهم؛ كي يعيشوا مع أقرانهم وأترابهم في أجواء مَرح ومَسرة؛ فهي امرأة صالحة متعففة، كما هو حال زوجها سعد في حياته. وقد عاشا مَعًا حياة سعيدة، يَسُودها الود والاحترام بين أطفالهم ومحيطهم الأسري، ومع معارفهم الكُثر، ولكن صفاء الدنيا لا يدوم ما دام شَعُوب مُفَرِّق الأحبة والجماعات وراء كل حي.
وأذكر جيدًا اتصالها وحرصها على متابعة بعض أبنائها الذين درسوا لدينا أيام كُنت مديرًا للمتوسطة والثانوية آنذاك، والحمد لله فقد خلّفت ذرية صالحة بنين وبنات، وذكرًا حسنًا:
وإنما المرء حديثٌ بعده
فكن حديثًا حسنًا لمن روى
تغمدها الله بواسع رحمته، وأسكنها فسيح جناته، وألهم أخواتها وإخوانها وأبناءها وبناتها وأبناء عمها وجميع الأسرة ومحبيهم الصبر والسلوان.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء