محمد أبا الخيل
هبطت موارد النفط لأقل من حاجتنا، وحيث هو موردنا الأول لبناء اقتصادنا وعمارة بلادنا وحماية شعبنا، أصبح علينا مواجهة واقع جديد، يفرض علينا خيارات صعبة، فإما أن نغفل عن هذا الواقع بعض الوقت أملاً في تحسن أسعار النفط، ثم نعود لسابق عهدنا في الاعتماد على موارده إلى أن يشاء الله، أو أن نواجه خياراتنا الصعبة بما تستحق من اهتمام واستعداد وعمل، وهذا لا يقتصر على ماهو واجب الجهاز الحكومي، بل هو واجب المواطن بالدرجة الأولى سواءً كان مسؤول دولة أو رجل أعمال أو موظف، مواجهة خياراتنا الصعبة يجب أن تكون متوازنة في المسؤولية والأثر, لذا يجب أن تنطلق من استراتيجية واحدة تقوم على تفعيل المخزون الوطني من الطاقات والإمكانات وتحريرها من القيود التي جعلتها أقل مساهمة في البناء الحضاري والاقتصادي للبلاد.
الحكومة أطلقت رؤية (2030) لتحرير الاقتصاد السعودي من الاعتماد شبه الكلي على إيرادات النفط وتبنت مشروع التحول الوطني لرفع كفاءة الأداء الحكومي، فهل يكفي ذلك؟، بالنظر لأهداف الرؤية وطموحها يمكن الجزم بأننا في الاتجاه الصحيح لتفعيل قدراتنا وطاقاتنا فقد بلغ الاهتمام القيادي ذروته حين أعلن عن هذه الرؤية ومحاورها وهو المرحلة الأولى من مراحل التغيير المطلوب لتحسين روافد الاقتصاد الوطني، ولكن بالنظر للواقع التوظيفي لقدراتنا للانطلاق لتحقيق تلك الأهداف الطموحة يصبح ذلك الجزم أسير للظنون، والمقصود بالواقع التوظيفي، هو النشاطات و الترتيبات و البرامج التي تخلق الإحساس لدى المواطن بأن هناك استعدادت للتغير والانطلاق لتحقيق تلك الأهداف وهذا الأمر منوط بالجهاز التنفيذي للحكومة، فمنذ إعلان الرؤية لم يستشعر المواطن حركة الاستعداد تلك حتى اليوم، بل هو يشاهد تقشفات وتحذيرات بانكماش هذا الاستعداد.
مما يستشعر من حوارات في وسائل التواصل الاجتماعي و المجالس العامة و حتى طروحات الكتاب، أن هناك غموضا لدى المواطن حول المستقبل التنموي رغم وجود رؤية (2030)، وهذا الغموض يشتت الحماس والزخم الشعبي اللازم لتشغيل ماكينة التغيير باتجاه تحقيق الرؤية فالموظف المواطن في أي قطاع بات في حيرة حول مستقبله الوظيفي، كيف سيكون ؟ و مايجب عليه تجاه تطوير قدراته وتحسين فرصه في الاستفادة من الواقع الاستثماري لقدراته الإنتاجية ؟، و الشباب الطموح لبناء نشاطات مثمرة خاصة، تخلى بعضهم عن أحلامه بسبب صعوبة التمويل وغموض السوق، والمستثمر والتاجر بات يتحرز من بذل مزيد من الاستثمار والتوسع في نشاطاته وهو يرى بوادر انكماش اقتصادي، دون أي إجراءات احترازية تحمي ذلك المستثمر من الخسائر المحتملة.
هذا المقال لا يندرج ضمن مقالات التذمر والنقد، بل هو تسأئل عن غياب مظاهر الاستعداد لتحقيق رؤية (2030)، فاهتمام القيادة بهذه الرؤية وإعلانها هو لمواجهة الخيارات الصعبة المحتملة، ربما أن التحدي أتى مبكراً، ولكن هذا لا يعني أن يضمر الاستعداد لتحقيق الرؤية إذا كنا على ثقة بقدرتنا وعزمنا على تحقيقها، بل يجب أن نسرع بوتيرتها وأن نجعل المواطن يثق ويكتنز بالحماس على تحقيقها، عندها تتحد القدرات ويصبح التوظيف لواقع الاستعداد أفضل وبهذا فقط نستطيع مكافحة مشاعر الإحباط والحيرة والغموض التي يستشعرها الناس اليوم.