د. خيرية السقاف

المدن لا يشوهها غير الناس, ولا يجمِّلها غيرهم..

الأشجار الخضراء فيها, وأحواض الزهور, والمجسمات الفنية, وتصميم العمار بزخارفه ,وابتكارات الإبداع فيه, والطرقات الفسيحة بأسيجتها الجميلة, والإضاءة بأحجامها, وألوانها الفضفاضة, والمحال التجارية بفخامتها, ومحتوياتها, والمنشآت المختلفة بأدوارها في المجتمع, وحركة العمل, والبناء, ومؤسسات التعليم والصحة, والإعلام والصحافة, والإذاعة والنشر, وساكنوها المثقفون, والعلماء, والمعلمون, والأدباء, والفنانون والدارسون, والأطباء والمهندسون, والمحامون وذوو الصفات كلها ..

كل هؤلاء, وتلك، وأولئك مكونات جميلة للمدن, لكن اللصوص والشحاذين وحدهم من يشوهها..

حتى المرضى والعاجزين ضمن لحمتها ونسيجها هم نبض الحياة فيها,

إلا الشحاذين, واللصوص فهم وحدهم الذين يشوهونها !!..

لأنهم صناعة الخلل فيها, والقصور يعتريها, والظلمة في خباياها, والفساد في باطنها, والكذب في الحقيقة التي عنها..

هؤلاء الظاهرة المشوهة للمدن هم اللصوص الذين انتشروا جوار أجهزة الصرف الآلية يغررون بكبار السن ليسرقوا ما يسحبون من حساباتهم,

الذين يتربصون بمن يحمل نقدا فيتبعونه للاستيلاء عليه,

الذين يسطون في أعمالهم على ما يسند إليهم من الأمانات كالأدوية, والأجهزة, والأدوات المكتبية, ونحوها, بل يسطون حتى على المواعيد التي ينبغي أن يحظى بها أفراد بعينهم لمقابلة مسؤولين لعرض قضاياهم فيؤخرون حاجاتهم من أجل حاجات أنفسهم أو خاصتهم,

وهم أيضا الذين يستغلون الإداريين أصغر منهم في طباعة أوراقهم الشخصية, أو القيام بأعمالهم, أو بخدمتهم دون وجه حق, والذين «يتفنَّنون» في السرقات, ..,

نظراؤهم الشحاذون في الشوارع, عند الإشارات, ومداخل الأسواق والمصحات, بل جوار أبواب البيوت الكبيرة, يستترون بألبسة رثة, يقسرون الطفولة لتكون أداة الشفقة عليهم, يمدون أيديهم دون آثرة على أنفسهم, لا يندى لهم جبين وهم يهدرون كرامتهم, ويستذلون إنسانيتهم, فيدعون المرض والعجز ويزيفون المظهر لاستدرار جيوب المارين بهم..

والشحاذة ليست تقف عند هؤلاء, ولا أولئك الذين يطرقون الأبواب بل لها أساليب شتى

تشوه المدن بالدكن, والألم عبر أفراد فيها خلف أبواب بيوتها, ومكاتبها, ودهاليزها !! ..

الشحاذون, واللصوص يشوهون المدن,

يغرسون في جبهتها نصلا وسكينا..!!

يجعلونها قاتمة, موحشة, شديدة الإيذاء للنفوس الخافقة بالحياة الجميلة, والمدن السعيدة.!!.

وإن هؤلاء يطمسون سعادتها هذه المدن,

يخدشون حياءها,

يسفرون عن تشققاتها, وتراكم الطمي فيها!!....