جاسر عبدالعزيز الجاسر
لأن البندقية هي التي تحكم لبنان، فإن الفرقاء السياسيين استسلموا للأمر الواقع الذي فرضه المرتبطون بنهج ولي الفقيه الإيراني الذين يقودهم الملا حسن نصر الله زعيم ما يسمى حزب الله، آخر قلاع المقاومة وممانعة تيار ولي الفقيه الإيراني الذي حول لبنان إلى «ترس» لتعظيم مصالح نظام ملالي إيران في المنطقة، كان سعد الدين الحريري الذي خضع لاشتراطات الملا حسن نصر الله بفرض الجنرال ميشال عون مرشح ملالي إيران وبشار الأسد الطرفين المسؤولين عن قتل والده الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من رموز لبنان من كل الطوائف والذين كانوا يمنعون سقوط لبنان في مستنقع ملالي إيران وبشار الأسد.
الحريري وحسب ما يكتب في الصحف اللبنانية وما يتداول في مجالس اللبنانيين من أنه عقد صفقة مع الجنرال الذي يعمل الملا حسن نصر الله أن يكون واجهة ملالي إيران في لبنان وصفقة الحريري المعقودة مع عون تشير إلى تقاسم السلطة بأن يكون الحريري رئيسًا للحكومة مقابل تأمين انتخاب عون رئيسًا للجمهورية، ومع أن ضمان بقاء الحريري رئيسًا للحكومة إن تم تكليفه غير مضمون أو على الأقل مدة طويلة، لأن تجربة الإطاحة به عبر تحالفات اتباع ملالي إيران وبشار الأسد ماثلة في أذهان كل اللبنانيين ومنهم أنصار تيار المستقبل الذين لم يكونوا راضين كل الرضا عن هذه الصفقة إلا أن الرضوخ للبندقية الإيرانية كان الخيار المتاح والوحيد تقريبًا لإخراج لبنان من الشلل الذي أصاب الحكم في البلاد، ففي ظل العجز عن انتخاب رئيس للدولة بعد تعطيل النصاب طوال خمس وأربعين جلسة لمجلس النواب، ووجود حكومة ضعيفة لا تستطيع حتى القيام بتصريف الأعمال وحتى عادة ما تقوم بها الحكومة المستقيلة والمؤقتة، ومجلس النواب مدد له ولا حيلة له لتقاسم النفوذ والكتل كل حسب توجهه الحزبي والمصلحي، كان لا بد من «اجتراع السم» وهو ما أقدم عليه سعد الدين الحريري عسى أن يكون ترياقًا ينتشل لبنان من مأزقه وإن كانت ابتدأت هذه المغامرة الحريرية ستصيبه شخصيًا والتيار الذي يقوده الذي قد يتأثر سلبًا بمغامرته الحالية، وإن بدت أول علامات التصدع والخلاف التي أخذت متسعًا بعد تصعيد رموز مهمة من الطائفة السنية التي تشكل العمود الفقري لتيار سعد الدين الحريري، وتيار المستقبل، التي يقودها عدد من رموز التيار، ومن المتعاطفين معه، كالوزير السابق أشرف ريفي المعارض الصلب لانتخاب ميشال عون للرئاسة، الذي جعل من مدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني جبهة ممانعة لهذا التحول الذي سيوصل واجهة ملالي إيران وبشار الأسد لقصر بعبدا، إِذ إن أشرف ريفي والمعارضين الآخرين لميشال عون يرون فيه ليس حليفًا للملالي والأسد، بل يعدونه صنيعة لهما رغم ما يقال عن برغماتيته التي يقول عنها بأن توصيفها بـ»المتقلبة» هي الأقرب، وأنه مقابل وصوله إلى كرسي الرئاسة على استعداد لفعل أي شيء يطلب منه، خاصة إذا جاء الطلب من يمتلك القوة الممثلة بالبندقية الإيرانية.