سمر المقرن
أن نرى في عدد من الشوارع التجارية على مستوى المملكة مجموعة من المحال التي تعلوها لوحات كُتب عليها «لخدمات الطالب» تعلن بكل وضوح أنها تقدّم خدمة إعداد الأبحاث العلمية بدون أدنى رقابة ومحاسبة، فإننا بكل تأكيد نسيء للأبحاث ونقلّل من دورها الفاعل في تنمية المجتمعات والارتقاء بها في مختلف المجالات.
لا شك أن الأمر ليس بجديد، فلا يخفى علينا كثافة هذا النوع من الدكاكين التي تعتمد على بضاعة تتمثّل في ملخّصات لمقررات جامعية وأبحاث علمية تتجوّل بين طالبات وطلاب كثر، ليضع كل منهم اسمه على الغلاف، فتُقدّم ضمن تكاليف أكاديمية للحصول على الدرجة المطلوبة! لكن المشكلة تكمن في أن هذا المنظر لا يزال باقياً وظاهراً أمام الجميع من دون أن تتصدى له الجهات المعنية وتضع حداً له، لإيقاف عمليات السطو المتواصلة على نتاج بعض الباحثين الذين باتت أبحاثهم في متناول أشخاص قد يجهلوا ماهيّة البحث العلمي وأسسه واشتراطاته، بل إن الأمر لم يتوقف فقط على تلك الدكاكين المنتشرة وحسب، وإنما أضحى وجودها متزايداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً «تويتر» الذي نتعرض فيه إلى حسابات تعرّف بنفسها بأنها من بائعي الأبحاث العلمية.
إن البحث العلمي يمثّل أحد أبرز العوامل التي تسهم في نهضة الشعوب لكونها تدرس الحالات والمتغيرات وتبحث تفاصيلها كماً وكيفاً، وبالتالي التوصّل إلى نتائج علمية دقيقة تقود إلى اتخاذ قرارات ذات أهمية تمسّ جميع المجالات، وبالتالي نجد أن الدول المتقدّمة تعتمد عليه كأساس يسبق أي خطوة، وترصد لأجله ميزانيات ضخمة لتفعيله وتكثيفه، فضلاً عن وجود الوعي العالي لدى مواطنيها يدفعهم إلى التجاوب مع الباحثين في إعطاء المعلومات والبيانات الوافية والمتكاملة، إدراكاً منهم بأن النتائج ستنعكس عليهم إيجاباً.
أعتقد أنه من الضروري جداً الالتفات أكثر للبحث العلمي والحدّ من تجاهل أثره ودوره، فعلى الرغم من أن الميزانية العامة للمملكة تخصص جزءاً للإنفاق على البحث العلمي ومتطلباته، ووجود عشرات المراكز والكراسي البحثية في مختلف الجامعات، إلا أن ذلك على ما يبدو لا يفي بالغرض المطلوب، فبحسب تقرير صادر عن وزارة التعليم مطلع العام الجاري، فإنَّ حجم الإنفاق على البحث العلمي خلال العام 2015 لم يتجاوز 2 في المئة من ميزانية الدولة، مع تأكيد ذات التقرير على ضعف دور القطاع الخاص في دعم الأبحاث، في الوقت الذي نشهد فيه تفاوتاً في الأداء لدى مراكز وكراسي البحث، فبعضها تجتهد بحسب ما لديها من إمكانات مادية وبشرية، وأخرى لا حضور لها وأصبح وجودها كعدمه!
في ظل هذا الاهتمام المحدود، فإنه من الطبيعي أن تبقى دكاكين البحث العلمي وتتمدد، فهي تمارس هذا النشاط عياناً بياناً بكل ما فيه من مخالفات حقوقية وفكرية وأكاديمية، فحري بالجهات المعنية أن تسارع باتخاذ اللازم تجاهها، في مقابل عملها على تعزيز البرامج والمبادرات التي من شأنها الإسهام في إيجاد جيل بحثي على كفاءة عالية يقدّم الدراسات التي تصبّ في خدمة الوطن والمواطن، خصوصاً أن معظم الجهات الحكومية دائماً ما تشتكي من نقص الدراسات والبيانات الدقيقة التي تسهّل عليها إعداد خططها وإطلاق برامجها.